حيدر حسين سويري
نشر الصديق الدكتور احمد حسين حيال في صفحته على الفيس بوك: قصة الخليقة التي وردت في أكثر من سورة من سور القرآن قيل فيها الكثير من شرح وتحليل، وأروع ما قيل فيها ما كتبه سيد قطب في تفسيره، في ظلال القرآن؛ إذ قال: ((هذا وأمثاله في القرآن الكريم غيب من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه؛ وعلم بحكمته أن لا جدوى للبشر في معرفة كنهه وطبيعته، فلم يهب لهم القدرة على إدراكه والإحاطة به، بالأداة التي وهبهم إياها لخلافة الأرض، وليس من مستلزمات الخلافة أن نطلع على هذا الغيب. وبقدر ما سخر الله للإنسان من النواميس الكونية وعرّفه بأسرارها، بقدر ما حجب عنه أسرار الغيب، فيما لا جدوى له في معرفته. وما يزال الإنسان مثلاً على الرغم من كل ما فتح له من الأسرار الكونية يجهل ما وراء اللحظة الحاضرة جهلاً مطلقاً، ولا يملك بأي أداة من أدوات المعرفة المتاحة له أن يعرف ماذا سيحدث له بعد لحظة، وهل النفس الذي خرج من فمه عائد أم هو آخر أنفاسه؟ وهذا مثل من الغيب المحجوب عن البشر، لأنه لا يدخل في مقتضيات الخلافة، بل ربما كان معوِّقا لها لو كشف للإنسان عنه! وهنالك ألوان من مثل هذه الأسرار المحجوبة عن الإنسان، في طي الغيب الذي لا يعلمه إلا الله. ومن ثم لم يعد للعقل البشري أن يخوض فيه، لأنه لا يملك الوسيلة للوصول إلى شيء من أمره. وكل جهد يبذل في هذه المحاولة هو جهد ضائع، ذاهب سدى، بلا ثمرة ولا جدوى)).
فكان تعليقي عليه: اختلف معك فالبحث في نشأة الكون وبدأ الخليقة مكّن العلماء كمندل وداروين وغيرهم الوصول إلى نظريات أفادت البشرية كثيرا. البحث في الغيبيات يوصل إلى جعلها معلومات حاضرات. ولا اتصور ورود حديث أو أية قرآنية تنهى عن ذلك، سوى النهي في البحث عن الذات الإلهية كما اتذكر في حديث الأمام الباقر(ع): تكلّموا في كلّ شيء ولا تتكلّموا في ذات اللّه. (الكافي)، فأحالني الى كتاب (ابي ادم) للدكتور عبد الصبور شاهين، فبحثت عن الكتاب ووجدته، واتممت قراءته وكان لا بد من الرد عليه مع مناقشة قول السيد قطب.
ابتداء لم نجد نهياً واضحاً في القران والسنة عن البحث في أصل الخلق، لذلك نجد عشرات المؤلفات من أصحاب الأديان قد بحثوا في هذا الموضوع، وسألوا الرسل والانبياء والائمة والعلماء، وقد اتفق الجميع تقريباً مع ما ذكره القران (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: 30) وداروين، من أن أصل الخلق هو الماء، ولكن اختلفوا فيما بعد ذلك. لذا لا اعرف لما يرى سيد قطب عدم الجدوى من البحث في هذا الموضوع! ولو كان هذا رأي المسلمين لنهاهم عنه نبيهم وائمتهم من الخوض فيه ولكنا وجدنا خلاف ذلك. ويقول قطب: ومن ثم لم يعد للعقل البشري أن يخوض فيه، لأنه لا يملك الوسيلة للوصول إلى شيء من أمره. كيف لا يمتلك الوسيلة؟ أليست المتحجرات والاثار وسيلة؟ لندع قطب ونذهب الى شاهين.
سنسجل فيما يلي مناقشتنا لكتاب (ابي ادم) بفقرات:
لم يبين لنا ما هو الفرق بين (الخلق) و(الجعل) في القران، ولو تطرق له لأوقعه في اشكال كبير لا يمكن حله، فهو حين عرض لهذا الموضوع قال بان الخلق يسبق الجعل وان الانسان حين خلق كان بشراً وعندما تطور ووصل لمرحلة الرقي متمثلاً بابينا ادم هنا أتت مرحلة الجعل، أي كما حصل مع النبي إبراهيم حينما تدرج في المنازل قال له ربه أني جاعلك للناس اماماً (شاهين لم يذكر بهكذا وضوح) ولذا فهو يقول: من الخطأ ان نقول ان ادم أبو البشر بل هو أبو الانسان (سنشرح هذا في مكان اخر)، وهنا لا اريد ان ادرج العديد من الآيات وسأكتفي بواحدة وهي قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: 30) فعلى راي الكاتب يجب ان تكون (وخلقنا) بدل (وجعلنا) اليس كذلك؟ وايضاً ما معنى قوله تعالى (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) هل كان الخلق ذكوراً فقط وبعد الجعل جاءت حواء؟ من اين؟ (انا اتفق مع الكاتب بان الخلق يسبق مرحلة الجعل ولكن ليس كما بين هو، والظاهر انه اخذ الفكرة من غيره في هذا المقام كما في غيره وسيتبين ذلك)
كان من المفروض ان يكون هدف الكتاب (البحث في أصل الخلق) لكن الكاتب اخذ يماطل ويتكلم عن أشياء لا علاقة لها بالموضوع كالجنة وابليس والجن والملائكة والشيطان والسعلوة والعفريت وغير ذلك، حينها ظهر عجزه فاعتبر الموضوع من الغيبيات، كأستاذه سيد قطب فأصبح الكتاب وعظياً بامتياز!
رفض رأي داروين في نظرية النشوء والارتقاء، وبعد عجزه عن إيجاد تفسير لموضوعه، عاد ليؤيدها فيؤمن بأن البشر مروا بمراحل عديدة عبر ملايين السنين ليصلوا الى مرحلة الانسان وهو آدم، ولكنه يقول: ان البشر لم يتطور عن جنس اخر كما تقول نظرية داروين، بل لهم جنسهم الخاص (المنتصب الذي يمشي على ساقين)
كل ما قاله ليس بجديد فهو مكتوب ومقروء ومسموع، خصوصا حينما خرج عن الموضوع وأخذ في اثبات اعجاز القران، فشتت ذهن القارئ عن أصل موضوع الكتاب!
ناقض النص القرآني بوجود خالقين غير الله سبحانه، فالقران يقول (أتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ [الصافات: 125])، الآية تقر بوجود خالقين كما ان الله أحسن الخالقين، ولنا في عيسى النبي اسوة (َورَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ [آل عمران: 49)
بعد بحثه في عدة آيات (حيث اشترط على نفسه الالتزام بآيات القران فقط) يتوصل الى ان أصل خلق الانسان هو طين لازب.
كما أشرنا سابقاً فالكاتب يقول: ان ادم ليس أبو البشر وانما أبو الانسان، ولا تربطه أي علاقة بالبشر سوى انهم من سلالتهم، والذي بادوا بعد ان وجد ادم! (ص 104 وص 115 وص 116 من الكتاب). ولا أدري كيف عرف واجزم بان البشر انتهى وجودهم مع مجيء ادم؟!. بستدل الكاتب بآيات القران الذي يختاره حسب مزاجه على استنتاجه بان البشر هم ما فبل ادم وان ادم وأولاده هم الانسان، وهو هنا ناقض آيات قرآنية أخرى مثل (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) وهو قول النبي فلماذا لم يقل انسان؟ أو قوله تعالى (مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [لقمان: 28]) (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وحسب هذه الآية فسيحاسب البشر وهو خلاف راي الكاتب الذي يقول بان التكليف الشرعي مختص بأدم وذريته يعني الانسان؟!
في ص 128 من الكتاب يقول بان الفؤاد هو العقل، ولم يأتي بدليل على قوله هذا.
يرى ان اللغة تطورت مع البشر وصولا الى الانسان، وان العربية احدى تلك اللغات، ثم يتخبط مع الآية (علمه البيان) وتفسيرها؛ والسؤال هنا: قد نعلم ان التطور وصل بالإنسان الى اعلى المراتب ولكنا نرى أن اللغة خلاف ذلك، فهي انحدرت للأسوأ كما اللغة العربية. لماذا؟
يرى اعتباطية اللغة فهي نشأت وتطورت مع البشر وصولا الى الإنسان، لكنه يعود ويتعامل مع قصدية اللغة خصوصا في الآيات القرآنية وهذا تناقض واضح. او على الكاتب ان يبين لنا ذلك.
اكتفي بهذا القدر من المناقشة والرد، وأقول: من الجهل ان نمنع البحث في أي موضوع، سواء يخوص في بحر الماضي او يحاول السباحة في نهر المستقبل، كما وان ليس ثمة نظرية كاملة 100% والا لأغلق باب الاجتهاد والبحث، وسكنت الحياة، ان الله سبحانه دعانا الى التفكر والبحث، فكما تطور الانسان عبر ملايين السنين بيولوجياً، وجب تطوره فكرياً وذهنياً، ليتمكن من الخلق والابداع، والوصول الى الكمالات الروحية والنفسية والبدنية.