كل منا ينشد التحسين ، و كل منا يريد التطوير وأيضاً كلنا نطمح للأفضل في أمر الدين والدنيا. وقد نقوم بالتخطيط ووضع الجداول والأهداف قاطعين بذلك شوطاً جيدا في سباق التحسين  والإنجاز، و لكن ما نلبث إلا ونتعثر في منتصف الطريق! ومن ثم نقف حائرين! لماذا لم نتحسن، لماذا لم نتطور، لماذا لم ننجز؟

ننظر من حولنا .. فنرى أناساً قد ارتقوا وأنجزوا وتحسنت أحوالهم ديناً ودنيا، وزاد أيضاً تحصيلهم العلمي وبدأوا في مشاريعهم وحققوا عدداً من أهدافهم، فنقابل ذلك بنظرات الإعجاب والغبطة.

 ومن ثم نعاود التسآؤل ..  كيف أنجزوا أعمالهم وماذا يمتلكون؟  وهل لديهم قدرات خاصة أو خارقة؟ و ماذا ينقصنا عنهم ؟ نعم .. نتساءل ونبحث ونتحاور ونحضر عدداً من الدورات ونقرأ عدداً من الكتب وغيرها لكي نجد سر الإنجاز! 

ذلك السر الذي قد يبدو غامضاً، لكن العجيب في هذا أن ما نبحث عنه من أكثر الأمور وضوحا، بل هو معلوم لأغلب الناس، فمن منا لا يتذكر هذه الحكم منذ أن كان صغيراً، فكثيراً ما كنا نسمع: من جد وجد، ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل. أظن أن هذه العبارات وغيرها قد مرت على مسامعنا  مراراً وتكراراً، ولكن هل تأملناها وتفحصنا معانيها؟ لأن سر الإنجاز كامن فيها.

فسر الإنجاز هو العمل (نعم .. العمل المستمر وإن قل)، فلا سببل للإنجاز والإرتقاء - بعد توفيق الله سبحانه وتعالى - إلا بالعمل والجد و الاجتهاد والمكابدة!  فلا يكفي التخطيط و تدوين المهام و كتابة الملاحظات (وإن كانت من الأهمية بمكان)، بل العامل الرئيس في ذلك هو العمل ومجاهدة النفس والمكابدة، ألم تقرأ في كتاب الله،   قال الله تعالى:  {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : ٦٩]    

 واعلموا رعاكم الله أن أداء المهام ينبغي أن يكون في الوقت مثل الصلاة تماما !  واعلموا أيضاً بأن مهارة الإنجاز أو عادة الإنجاز تحتاج إلى تحسين مستمر ودُرْبَة ولو بالعمل القليل (فما لا يدرك كله لا يترك جله)، وذلك من خلال اكتساب الحسن من العادات والتوقف عن السيء منها. فمثلاً من المفيد إضافة عادة جديدة أو عادتين من العادات الحسنة إلى قائمة الأعمال في كل شهر، وكذلك الحال في التوقف عن العادات السيئة، فتكون حصيلة ذلك جيدة بإذن الله في نهاية العام.

و تذكروا دائما بأن الإنجاز والفلاح والتوفيق مرهون بالصبر ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [ آل عمران:٢٠٠ ] .                      فنصيحتي لكم بأن تبدأوا رحلة التحسين والعمل الصالح ولو بالقليل، واجعلوا عملكم ديمة (أي مستمر ودائم)، وبما هو متاح، فسقف المتاح مذهل! كما قال أحدهم، ولا تنتظروا الوضع المثالي والخطة المكتملة وما إلى ذلك، فأساس كل إنجاز هو البداية وسلوك الطريق، وأيضاً لا نُغْفِلْ أهمية التأكد من صحة العمل والغاية من أداءه وتجديد النية الطيبة في ذلك.  

وأختم مقالتي بكلام خير البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم.                                                 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان  )). رواه مسلم (٢٦٦٤).

نبض الكلمة :                                          
إذا لاح حلمٌ عسيرٌ فشمر إليهِ ... و قل للمصاعب: أهلاً
فما لذة العيشِ دون تحدٍ ... و ما قيمة الحلم إن كان سهلاً
للشاعر د . نجم الحصيني

بقلم: عمر الجمل