معنى كلمه تحنيط:

حنط الميت اي عولجت جثته وحشيت بالحنوط كي لا يدركها الفساد. الحناط الحنوط كل طيب يمنع الفساد ولفظ Embalm يعني (حنط) من اصل لاتيني Balasmum ، اي حفظ في البلسم وهناك من يري أن Embalm تعني في اللاتينية التعطير بوضع راتنجات عطرية. أما كلمة تحنيط mummification فهي مستمدة من الكلمة اللاتينية مومياء mumia التي ربما تعني القار الاسود.

الهدف من التحنيط:

كان من الأهداف الرئيسية التحنيط حفظ الجسد ،وخاصة الملامح الخارجية ، من الدمار. فلم يعتبر المصري القديم الموت هو نهاية ، وانما هو رحلة خطرة تتناثر خلالها شتي العناصر المكونه للشخص الحي ، بينما يحتفظ كل منها بتكامله الفردي . فإذا أمكن إعادة اتحادها ووضعها في الجسم ثانية ، أمكنه أن يحيا حياة جديدة متشابهة جداً للحياة التي قضاها على الأرض. ومع ذلك، فلتحقيق هذه النتيجة، يجب حفظ الجسم الذي هو أضعف كل هذه العناصر وأكثرها عطباً، فإذا ترك الجسم ليتعفن، ضاع كل أمل في اتحاد القوى الحيوية وهيكلها الجسدي، في العالم الآخر ، فيحكم على الروح بأن تظل تبحث عبثاً إلى الأبد عن جسم لم يعد له وجود.

رواية هيرودوت عن التحنيط:

لعل أقدم ما كتب عن التحنيط هو ما ذكره هيرودوت في كتابه عن مصر فقد قل: اختص بالتحنيط رجال كانوا يقدمون لأهل الموتى نماذج خشبية صغيرة تمثل طرائق التحنيط التي تختلف دقة. يبدأ المحنطون باسستخراج المخ بقضبان حديدية معقوفة عن طريق الأنف ثم يحقنون سائلاً ليستخرجوا ما تبقى منه بعد ذلك يفتحون البطن بسكين حادة ويُخرجون الأحشاء وينظفونها ويضعونها في نبيذ البلح ثم يعطرونها بالمر والأنيسون والعطور ما عدا الكندر، ثم يخيطون الفتحة ويضعون الجثة في النطرون مدة سبعين يوماً. وفي نهاية المدة يغسلونها ثم يلفونها باللفائف الكتانية المغمورة في الصمغ ويسلمونها إلى أهلها ....


أما الطريقة الثانية فدون الأولى قيمة واتقاناً. كانوا يبدءونها يقذف زيت القادروس (الشربيني) في البطن عن طريق الشرج، ويُخيطون فتحة الشرح بعد ذلك. ثم يضعون الجثة في النطرون المدة المقررة وهي سبعون يوماً. فإذا ما انقضت المدة فتحوا الشرح فيخرج السائل مندفعاً نحو الخارج حاملاً معه الأحشاء شبه مذابة، ولم يتبق من الجثة إلا هيكلها العظمي المكسو بالجلد وتسلم الجثة بهذه الحالة إلى أهلها.


أما الطريقة الثالثة فتتلخص في غسل البطن بزيت الفجل ثم وضع الجثة في النطرون لمدة سبعين يوماً تسلم بعده لذويها.


والحقيقة إن ما ذكره هيرودوت من أمر حقن السائل في الشرج لإذابة الأحشاء صعب تصديقه، وقد يكون القصد إيقاف العفن لحين التجفيف بالنطرون على كل حال فهناك دلائل على استخراج الأحشاء بطريق الشرح أو بطريق المهبل.


أما بخصوص السبعين يوماً التي ذكرها هيرودوت، فالحقيقة إن هذه المدة كانت تشمل جميع مراحل التحنيط وليس مدة العمر في الملح، حيث إنه وجد بالتجارب أنه بعد 40 يوماً يكون تحلل الجسد المغمور في ملح النطرون ضئيلاً، في حين أن مدة الـ 70 يوماً التي ذكرها هيرودوت تشمل غسيلاً ودهاناً بالزيت ولف الأربطة - أي عملية التحنيط كلها - وقد ذكر في العهد القديم سفر التكوين (50(3) في سياق الحديث عن تحنيط يعقوب أن مدة وضع الجسد في ملح النطرون كانت أربعون يوماً، فقد ورد به " وكمل له أربعون يوماً لأنه هكذا تكمل أيام المحنطين .

وكانت المدة بين يوم الوفاة ويوم الدفن. ولماذا حددت هذه المدة بسبعين يوماً؟ ربما كان ذلك لأسباب دينية مبنية على علم الفك والنجوم لديهم. فقد لوحظ أنه بظهور نجم الشعرى اليمانية Sothis) Sirius)، تبدأ السنة الجديدة للمصريين، وعندما يختفي لا يمكن رؤيته في الأفق مرة أخرى ليظهر من جديد بعد سبعين يوماً. فكانت فترة السبعين يوماً هذه تفصل بين موتهم وبعثهم. وربما حاكى المصريون دورة الزمن هذه ليستخدموها مع موتاهم فيضمنوا بعثهم.

كيفية التحنيط: 

هناك سؤال سرعان ما يبادرنا عند مناقشة هذا الموضوع، هو : ماذا عرف أجدادنا من وسائل منع العفن مكنتهم من تحنيط جثث موتاهم بدقة أذهلت العالم؟ خصوصاً إذا لاحظنا أن جسم الإنسان يحوي من الماء 75% من وزنه وأن إخراج هذه الكمية من الجسم ليس بالسهل. وللإجابة على هذا السؤال يمكن سرد خطوات أجود أنواع التحنيط فيما يلي:

1 - نقل الجثمان إلى مكان التحنيط : 

تنقل الجثة إلى معمل التحنيط ، وتنزع ملابسها وتوضع على مائدة. ولقد أطلق المصريون على حجرة التحنيط مجوعة مسميات منها : بر - نفر - المنزل الجميل ، وعبت - منزل الطهارة ، و سح نتر - مخيم المعبود" مما يضفي على المكان صفة التقديس والأسماء تشير من طرف خفي إلى ما قام به إنبو من تحنيط جثة أوزير وإلى رغبة كل متوفى في أن يكون في زمرة أتباع أوزير ، أو أن ينعم بمصير كمصير أوزير وهو عودة الحياة له مرة أخرى كما عادت الأوزير .

2 - استخراج المخ:

 يستخرج المخ عادة عن طريق الأنف وأحياناً عن طريق الثقب الأعظم foramen magnum بعد استخراج إحدى الفقرات العنقية، وبعد إزالة المخ من الثقب الأعظم تعاد الفقرة مكانها. أما إذا استخرج عن طريق الأنف هشمت العظمة المصفاوية Ethmoid Bone وفي الحالتين كان المخ يهتك لضخامة حجمه وضالة فتحة إخراجه. والعملية ضرورية لأن المخ من أوائل الأنسجة التي تتعفن بعد الوفاة. وكان يُستعان على إخراج المخ بقضبان معقوفة من النحاس أو البرونز. وليس هناك دليل على معالجة المخ والاحتفاظ به بخلاف الأحشاء، فلم يعرف إلى الآن مال المخ بعد إخراجه مفتتاً.

3- استخراج الأحشاء :

 كان لاستخراج الأحشاء سببان السبب الأول فني لأن فضلات الطعام التي كانت بها وكذلك بعض الأنسجة الدهنية فيما بينها قابلة للتعفن بسرعة فيما عدا القلب والكليتين إذ أن أنسجتهما عضلية قوية، والسبب الثاني ديني كما جاء في إحدى البرديات من القرن الثالث الميلادي التي تقول : " ... إذا كنت قد ارتكبت خطيئة في أكل أو شرب ما هو محرم فإن الذنب لم يكن ذنبي بل هو ذنب هذه الأحشاء". ويشير إلى الصندوق الذي به الأحشاء المستخرجة. وقد كانت الأحشاء الباطنية تستخرج عن طريق شق البطن. ويعمل هذا الشق عادة في الخاصرة اليسرى. يبدأ باستخراج الأمعاء ثم الكبد والطحال، أما الكليتان فتتركان عادة في مكانهما، وإن لم يكن دائماً. ثم يشق الحجاب الحاجز لاستخراج الرئتين. أما القلب وأوعيته الكبيرة فتركت مكانها. فلم يحصل أن قطع القلب ووضع مع الأحشاء في الأواني المخصصة لها.


إلا أن إليوت سميث ذكر أنه لدينا حالات فصل فيها القلب عن الجثة ابتداء من زمن الأسرة الرابعة. ووضع مكانه قلب حجري ، وأحياناً ما كان يوضع مكانه جعران منقوش عليه تعويذة. فقد كان للقلب أهمية عقائدية تقضي بتركه في الجسم إذ اعتقدوا أن القلب كان يوزن في عملية الحساب فإذا ثقل كان صاحبه قد اقترف ذنوباً كثيرة وحق عليه العقاب ، وإذا تساوى مع علامة العدل في الميزان كان صاحبه شخصاً باراً لم يقترف ذنوباً كثيرة ؛ ولذلك يحق له أن يدخل دار النعيم مع أوزير رب العالم الآخر ، ولذلك كانوا يضعون بجوار القلب في بعض الحيان جعراناً عليه نص يسمى جعران القلب عليه النص الآتي : " يا قلبي الذي أخذته عن أبي يا قلبي الذي أخذته عن أمي يا قلبي المسئول عن وجودي ، لا تقف ضدي عند محاكمتي ، لا تشهد ضدي عند محاكمتي ، لا تعارضني أمام المتحاكمين ، لا تهبط لأجلي أمام مراقب الميزان .... لا تعمل على تشويه سمعتي عند الآلهة ... ولا تتكلم بالكذب ضدي .......


4 - تعقيم فراغي الجسم والأحشاء :

 يغسل تجويفا البطن والصدر بنبيذ البلح والتوابل. وبذلك يتم تعقيمهما ، فقد كان نبيذ النخيل يحتوي على كحول بنسبة 14% تقريباً ، ومما يذكر أن الكحول لا يزال من أهم المواد المعقمة المستخدمة في الأغراض الطبيه حالياً.


5 - تحنيط الأحشاء : 

كانت الأحشاء تفرغ من فضلات الطعام وتغسل جيداً بالماء، ثم تعقم بغسيلها هي الأخرى بنبيذ النخيل، ثم تُحلط بوضع كل جزء منها في ملح نطرون جاف على سرير صغير مائل إلى أن يُستخلص كل الماء الذي بها وتجف تماماً، ثم تعالج الأحشاء بعد ذلك بالزيوت العطرية والراتنج المنصهر . وتقسم الأحشاء أربعة أقسام لتوضع داخل أربعة أوان لكل منها غطاء يمثل أحد أبناء حور الأربعة. وفي زمن الأسرة 21 لفت الأحشاء ووضعت بتجويف الجثة التي كانت فيه في الحياة مصحوبة بتماثيل شمعية الأبناء حور الأربعة.


6 - حشو فراغي الجسم البطني والصدري بمواد حشو مؤقتة: 

كان الفراغان البطني والصدري يحشوان بمواد حشو مؤقتة تتألف من ثلاثة أنواع من اللفافات: لفافات بها نظرون لاستخلاص ماء الجسم من الداخل. ولفافات من قماش الكتان لامتصاص الماء المستخرج، ولفافات من قماش الكتان تحتوي على مواد عطرية لإكساب الجسم رائحة طيبة في أثناء عملية التحنيط الرئيسية.


7- استخلاص ماء الجسم وتجفيفه:

 الفكرة الرئيسية من التحنيط هو تجفيف الجثة لمنع الميكروبات اللاهوائية من النمو على أنسجتها. لذلك وضعت الجثة بعد استخراج أحشائها وغسلها داخل كوم من النطرون الجاف على مائدة مائلة السطح ذات مجرى صغير ينتهي بخزان تتجمع فيه المياه الخارجة من الجثة نتيجة لعملية الانتضاح. وكانت هذه العملية تستغرف أربعين يوماً كما سبق أن ذكرنا.


8- استخراج الجثة من ملح النطرون واستخراج مواد الحشو المؤقت منها:

 تستخرج الجثة بعد ذلك من النطرون وتغسل بالماء وتجفف بالمنشفات وقد تغسل بسائل آخر مثل نبيذ البلح وتستخرج من فراغي الجسم مواد الحشو المؤقت إذ كانت قد تبللت بالماء المستخرج من داخل الجسم ، ولو تركت به لأدت إلى تعفن أنسجة الجسم.


9- حشو فراغات الجسم بمواد حشو دائمة:

 يُحشى تجويف الجمجمة بالراتنج أو الكتان المشبع بالراتينج، أما فراغا الصدر والبطن فيبد أنهما كانا يُغسلان مرة أخرى بنبيذ النخيل ثم يملأن بمواد حشو جافة الأنيسون والمر والكاشية / القشية خيار شنبر) ومواد عطرية أخرى كالغرفة ، وقد تملأ كذلك بالكتان أو بالكتان المغمور في الراتينج وبالنشارة المشبعة بالراتينج أو بالتراب والنطرون. وقد يُضاف إلى ذلك بصلة أو بصلتان. وفي زمن الأسرة 21 ملى تجويفا الجثة بأربع لفائف تحوي الأحشاء مع بعض المواد المذكورة أو كلها. وقد تحشى الجثة بأكياس مليئة بالنطرون. ثم تقرب شفتا الجرح، ويُغطى الجرح بلوح معدني أو شمع العسل، ويثبت اللوح بصب الراتنج المصهور عليه. وفي الحقيقة إن هذه اللوحة لم تكن في حاجة إلى تثبيت لأن الطبقة الراتينجية التي كسيت بها الجثة كانت كافية لحفظها في مكانها. وهناك مومياوات خيط شق بطنها فلم تكن ثمة حاجة إلى الطبقة الشمعية.


10- دهان الجسم مواد عطرية:

 بعد ذلك تدهن الجثة بزيت القادروس وأدهنة أخرى ثم تدهن بالمر والأنيسون ومواد مماثلة. فكان يدلك كل سطحه بمسحوق المر والقرفة الأعكسابه رائحة عطرة. أما زيت القادروس Cedar Oil المذكور هنا فقد ذكره كل من هيرودوت وديودور خلال حديثهما عن عملية التحنيط، وهو غير معروف حالياً. ولا يبعد أن يكون ما قصداه هو زيت تربنتينة أو حامض خل الخشب الحاوي لزيت التربنتينة أو قار الخشب.


11 - حشو فتحات الجسم:

 يُحشى الفم بالكتان المغمور في الراتينج، وتعالج الأذن والأنف أحياناً بالطريقة نفسها. ولا تستخرج العينان بل يضغط عليهما في تجويفهما، ثم يُحشى التجويفان بالكتان المغمور في الراتينج، وتجذب الجفنان على الحشو. وفي زمن الأسرة 21 استعملت العيون الصناعية، وحشيت العضلات بالراتينج وبالكتان مع الراتينج للمحافظة على الشكل الظاهري.


أما القطران فاستعمل بعد ذلك وحده أو ممزوجاً مع الراتينج. ويؤثر التحنيط على الجلد فيفصل بشرته. فاحتاط القوم ضد سقوط الأظافر فثبتوها بخيط أو سلك رفيع حول كل ظفر . ولبست أصابع الملوك بما يشبه الكستبان الذهبي. أما فيما يختص بالنساء فأحياناً ما يستخدم الكتان لعمل ثدي صناعي يوضع على الصدر ليمثل شكل الجسم الطبيعي.


12- علاج سطح الجسم براتنج منصهر :

 تُعالج الجثة كلها بالراتينج المصهور الاكساب الجثة صلابة ولسد مسامها فيمتنع بذلك دخول رطوبة الهواء فيها. وذلك باستخدام فرشة عريضة ، وبذلك لا تتمكن بكتريا التعفن من العيش على أنسجته ، كما أن الراتنج أيضاً يقوي بشرة الجسم ويجعلها أكثر تماسكاً.


13 - تلوين الجسد ووضع الحلي والتمائم ولف الجسد باللفائف : 

تكسى الجثة بالألوان فوق طبقة الراتينج ، فكان وجه الرجل يُدهن بالمغرة الحمراء red ochre والنساء بالمغرة الصفراء yellow ochre. وقد استخدمت الحناء في خضاب بعض المومياوات (الأصابع والأظافر والشعر). ثم تغلف باللفائف بإتقان بحيث تلتصق اللفائف ببعضها وبالجثة بواسطة الصمغ أو الراتينج، وكان يُلف كل جزء من الجسم على حدة، ثم يُلف الجسم كتلة واحدة بحيث تكون الذراعان محاذيتين للجذع أو متصالبتين أمام الصدر. وتوضع التمائم بين اللفات، مصنوعة من الأحجار أنصاف الكريمة لتأكيد المحافظة على الميت وحمايته،في مواضع معينة، وتشمل هذه التمائم عيوناً حجرية على الجفون)، وعين وجات (على شق البطن وأعمدة الجد، ولوحات صدرية، وأحزمة إيزيس، وغير ذلك.

كما حرص المصريون على تزيين الجسم بكثير من الحلي، فقد وجد على مومياء توت عنخ أمون 143 قطعة من الحلي المختلفة من الخواتم والأقراط والعقود والأساور والصدريات، كما وضعوا في بعض الأحيان حول الوسط حزاماًة من الخرز في وسطه دلاية على شكل صفر جاثم من العقيق الأحمر بحيث يقع فوق شق التحنيط كتميمة الحماية الشق.