هذا من الكتب التي صدمتتي ، ليس لانها عظيمة و لا لأنها سيئة ، بل لان سقف توقعاتي منه كان عاليا ، و ربما عاليا جدا . و قد بنيت هذه التوقعات على العنوان الفرعي للكتاب:  "قراءة نقدية في تطبيع الوعي" ، و على قيمة المؤلف النضالية ، فهو سجين و مبعد لسنوات طويله ، و السبب الثالث لارتفاع سقف توقعاتي هو تقديم الدكتور عادل سماره للكتاب.

كما نبهت الكتاب ليس سيئا ، بل هو جيد لمن أراد ان يتتبع بشكل تفصيلي تاريخ التطبيع في العالم العربي..

لكن يجب ان نضيف للأمانة ، أن الكاتب حاول في الفصل الاول وضع تعريف للتطبيع ، كما وضع له شروطا . و بناءا على الشروط و على التعريف ، خلص الكاتب الى ان ما يتم الترويج له على اساس انه تطبيع بين الكيان الصهيوني و بين العالم العربي ، ما هو الا استسلام او تطويع او خضوع للكيان الصهيوني. او باختصار هو "استدخال للهزيمة" ، و مصطلح استدخال الهزيمة ،  كما اكد الكاتب ، هو مصطلح نحته الدكتور عادل سماره ، و يعني به باختصار : ان تصبح الهزيمة امرا عاديا لا يثير المهزوم ، و بالتالي يصبح التعامل مع دولة الاحتلال امرا عاديا .

كما ان جمال فراج رحمه الله ، ختم الكتاب بتعداد خصائص الكيان و هي خصائص تجعله هشا كبيت العنكبوت (عنوان الكتاب ) . و من  هذه الخصائص: تبعيته الاقتصادية للغرب الراسمالي الامبريالي ، فهو مستمر بسبب هذه المساعدات و ليس لان اقتصاده قوي ، بل ان البطالة و الفقر تزداد في الكيان ، الخصيصة الثانية المهمة هي : الصراع الاجتماعي داخل الكيان ، فالكيان عبارة عن خليط من البشر تم استقدامهم من بيئات مختلفة ، و ثقافات مختلفة . بل ان الكيان اضطر الى استقدام مهاجرين مشكوك في يهوديتهم ، و اليهودية شرط مهم في دولة الكيان ، فقد كانوا يصرون على نقاء الدولة ... و بالاضافة الى هشاشة الاقتصاد ، و هشاشة المجتمع ، هناك انعدام الامن ، فاليهودي الذي يعيش في اوروبا او اميركا يتمتع بامن لا يتمتع به داخل الدولة التي تم الترويج لها بانها جنة الازدهار و الامان ليهود العالم .. فمنذ حرب اكتوبر مرورا ب انتفاضات فلسطينينة ، و عدة حروب في لبنان و في غزة . فقد الكيان امنه .. و اصبح السكان فيما يسمى بإسرائيل ينظرون للمستقبل نظرة سوداوية ، و هذا كله و غيره شجع على الهجرة العكسية من الكيان، كما ان الكثير من الإسرائيليين يملكون جنسيتين و منازل خارج الكيان خوفا من يوم عظيم يعتقدون انه قادم لينهي هذه الدولة الواهنة كبيت العنكبوت.

اخيرا لا بد من الإشارة الى مرور الكاتب مرورا سريعا جدا على ادعاء خطير ، و هو اعتباره ان كل الاحزاب القومية استدخلت الهزيمة في برامجها، و انها سارت على خطى النظام العربي الرسمي في التطبيع.و هو الادعاء الذي لم يوثقه على عكس ما فعل في بقية كتابه عند حديثه المطول جدا عن تطبيع الانظمة و الاحزاب العربية و الفلسطينية ...

ان موضوع التطبيع موضوع في غاية الاهمية و الخطورة ، و هو يفسر الى حد بعيد ما جرى و يجري في عالمنا العربي و في فلسطين نفسها ، من تحولات جذرية نقلت الصراع مع اسرائيل من صراع وجودي الى صراع حدودي .. لكن الموضوع يحتاج الى تعميق اكثر، و من اهم ما فعله الكاتب محاولته تعريف التطبيع و وضعه لشروط تحدد التطبيع و تميزه عن الاستسلام و استدخال الهزيمة . كما ان اشارته الى ان التطبيع عبارة عن استراتيحية للعولمة تهدف من خلالها الى تركيع الشعوب ، هي اشارة في غاية الاهمية ، لانها كما بين في عدة مواضع ، تؤكد على البديهية التي حاول و يحاول الغرب و اسرائيل و اذنابهم العرب طمسها ، و هي ان اسرائيل جزء اساسي من الامبريالية الغربية، و كانت و لا تزال جسما خبيثا يحاول تفتيت و اضعاف العالم العربي ، و بالتالي لا يمكن ان يكون هناك سلام و تطبيع مع هذا الكيان الشاذ و المشوه.

*كتاب بيوت العنكبوت من تأليف المرحوم جمال فراج،  و اصدار الفارابي.

*الكاتب  من مواليد مخيم الدهيشة -بيت لحم .

امضى حوالي عشر سنوات في سجون الاحتلال و تم ابعاده عام ١٩٨٨ الى لبنان ، ليكون بهذا أصغر مبعد فلسطيني خلال انتفاضة الحجارة .

عاد بعد اوسلو متأخرا عن رفاقه اربع سنوات (عاد في عام ١٩٩٧) لانه اعتبر ان اوسلو خيانة كبرى .

اعتقل مرة اخرى من قبل الاحتلال في عام ٢٠٠٤ و فقد كليته في السجن . و قد كتب هذا الكتاب بعد اعتقاله الاخير . 

توفي جمال فراج بسبب اصابته بالسرطان .. رحمه الله رحمة واسعة ...