في دواخل البشر، المكان لا حدود له، والزمان لا وجود له، والصراع لا ينتهي. قديم هذا الصراع بقدم أول خلية أحادية عرفت الحياة على هذه الأرض. تلك التي تصارعت مع ذاتها ذات مرة، فانقسمت لتنشر الحياة! فخلقت تمرداً توارثته كل الكائنات، فترعرع هذا التمرد في دواخلها حتى أصبح في أعظم صوره في نفوس البشر. تلك الكائنات المتفوقة والمتربعة على عرش الحياة. فصارت ضمائرهم ساحات لمعارك محتدمة بين شقائق الذات، الراغبات في الانقسام، واللاتي لا يشبهن بعضهن! ورغم أنهن بقياس الرياضيات واحد، إلا أنهن بقياس الصراع عشرات باسقات. ومنذ الأزل، اتشحت كل واحدة منهن بلون فريد، وصنعت لها جيشاً مهيباً، واعتلت منبراً عالياً، وزعمت الحقيقة! وأعلنت الحرب، ثم حملن حربهن سوياً عبر النفوس المتعاقبة، فتركن فيها انتصارات وخيبات، فرحاً وألماً، وحيرات محشورة في لغز كبير: متى ينتهي هذا الصراع؟ متى ينتصر أياً كان؟! متى تلتئم الشقائق؟ متى تنتهي الحكاية؟ هذه الحكاية بدأت منذ آلاف السنين، وربما تنتهي بعد آلاف السنين، وربما لا تنتهي! إنها حكاية البشر الذين تتوق أرواحهم للقمم، لكنهم يعيشون في بطون الوديان! ولأن "عالي البحر" كان يرفض أن يكون مجرد امتدادٍ لحكاية قديمة، فقد أخذ على عاتقه أن يصعد للقمة وينهيها، ويضع حداً لغواية الأحلام، ولكنه عندما وصل للقمة لم يجد النهاية! عندها بكى كثيراً وأخذ يصرخ في العقبان التي كانت تحوم فوق القمة ويقذفها بالأحجار، فترتفع قليلاً ثم تعود لتحوم فوق رأسه معلنة أنه لا فرق بين القمة وبطن الوادي! أدرك وقتها أن القمة هي في داخل حجرة رأسه، وأن كل ما هو خارجها سراب! وأدرك أن السعادة تخرج معنا من رحم أمهاتنا وقت ولادتنا ثم تسكن في ذواتنا. لكننا نبحث عنها في السراب!