عندما تقرأ كلماته, تقرأها بصوتك أنت..واﻷهم بروحك أنت. فتعطيه من التعاطف ما تعطيه لنفسك. وتعطيه من النقد ما تعطيه لنفسك. فمن يسمعك من الخلق كنفسك؟. ومن ينتقدك بدون خشية التجريح كنفسك. ونقد من تسمع بدون رفض إلا كنقد نفسك؟.

عندما بدأت القراءة, تعلمت كيف أقرأ غيري. تحول الناس من عالم أخر, إلى أرواح لها سحرها. أفضل ما في القرءاة. أنك في الغالب لا تعرف عن الكاتب إلا اسمه وكلاماته. ومن هنا تكون رؤيتك لروحه, التي ربنا لا تقابل روحه في الواقع, أنما تقابل خيالك وحدك.

أحد الكُتاب اللذين أقرأ لهم, جميل الكلام فصيح سهل ممتنع, فعندما أقرأ له أتخيله قوي البيان ويعرف ما يقول ومتى يقول ما يقول. كم هو جميل أن قابلت أحد مثله. ولكن رأيت له كلمة في مؤتمر صحفي, وإذا به يتلجلج وليس لديه من البيان ما ظننت. فابتسمت, ﻷن القراءة وحدها هي من أتاحت لي الفرصة في سماع روحه وما عنده لي, بلا نظرة ناقصة. فإن كان كاتبنا هذا لا يكتب, لربما لم اهتم للسماع منه ولم أظن أن لديه أي شيء لمن مثلي.

وآخر, في واقعه لو من العادات ما ارفض وما ينفرني عن شخصه, ولكن بينما أقرأ أنا لا أرى صورته ولا أفعاله. أنا أرى كلامه فقط.

بالطبع, فكر من تقرأ له مهم. فهو يؤثر على كلامه وكتابته. ولكن اتكلم عن الكمال. في عالمنا بدون كتب. نحتاج إلى التجميل في كل شيء للتأثير..سواء إذا كانت صورة جميلة, مقطع مصور بشكل مبدع أو شخص ذو بيان وشخصية ملفتة. غير ذلك, أرواج مجهولة لا يعلم ما بداخلها أحد إلا من رزق تقدير اﻷرواح.

أما بالكتب, فلك مفتاح إلى عقول وقلوب…بل وأرواح كل هؤلاء. من مات ومن لم مت بعد. يموت فلا يبقى إلا حرفه. تدخل في مكونات شخصه, في تفاصيلها وهو لا يعلم أنك هناك.

وحدها الكتابة تيتح ذلك, وحدها الكتابة تجعلك قادر على قرءاة ما لم يعرفه الكاتب عن نفسه حتى. يكتب هو بعض الكلمات, يظن أن سيصل إلى من يقرأها فكرة واحدة. وإذا القارئ يرى فيها ويتعلم..ما لم يعرف الكاتب ولم يعلم.

ثم إذا كنت من هؤلاء القراء, تخرج بهذه الشخصية من الكتاب, إلا التعاملات اليومية. فيصبح كل شخص تقابله كتاب, تريد أن تستكشف ما به وأسرار روحه وفكره. وإذا بمعرفة الناس متعة وفتنة. فهي متعة للشغوف مثلك, وفتنة ﻷن شغفك يجعلك تريد أن تعرف كل اﻷرواح وتغرق بها.

 

وعلى أي حال, وحدها الكتب فتنتها خير :).