ليست مقدمة:
توصلنا مجددا إلى أن الأصل في الإنسان الهشاشة، والتظاهر بالقوة هو من باب الادعاء .فالفيروس التاجي صاح في وجه البشر وأسقط سور العولمة القصير، وأماط اللثام عن جملة من المظاهر التي تحكم العلاقات الدولية والإنسانية بصفة عامة.كما أعاد الاعتبار للقيم، وأضفى بعدا إنسانيا جميلا، فشكل معالم المستقبل الأمثل بصورة أو بأخرى .وإن كان الفكر العقلاني في الحاجة إلى الكثير من التأني والتبصر والتعمق والتجرد للإجابة عن الأسئلة الفلسفية التي طرحها هذا الوباء وتداعياته الخطيرة، فلا مراء أن الإنسان هش مهما ادعى -كما قال باسكال_ أو لا أفصح وانطق من قوله عز وجل "وخلق الإنسان ضعيفا.."في الشمال وفي الجنوب .
كرونا وطريق السياسة العادلة:
ففجأة وجدت البشرية ككل في قلب المعركة ؛ إذ في دجنبر 2019 اندلع هذا الوباء في مدينة ووهان الصينية ،ونحن الآن في بداية أبريل 2020 حيث انتشر الوباء إلى بقية العالم وأصاب أكثر من 145دولة، وهو ما يمثل حالة صحية طارئة للعالم . فأغلقت المدارس والجامعات فالمطاعم والمقاهي والحانات وأمر بالبقاء في المحجر الصحي ومراقبة الحدود كتدابير استثنائية اتخذتها غالبية الدول لوقف الانتشار.وطفت على السطح مسألة بناء النموذج الجديد على أنقاض النموذج النيوليبيرالي الذي تراكمت مساوئه ،وحضر المعطى النفسي بما هو ارتقاء روحي ، ومسألة الاعتراف بالآخر، والتمسك بالكرامة الإنسانية، والتضامن الاجتماعي، والسعي إلى نهج سياسة صحية مشتركة ، فضلا عن قيام السيادة الرقمية والتكنولوجية مقابل المعاملات التقليدية، و محاربة صناع التفاهة وصناع الاشاعة .كما تغيرت شاشات الأطفال والمراهقين والشباب؛ فالعزلة الصحية فرضت سؤال تحديد الوجهة ( أين وإلى أين؟) و سؤال الكيف ..على مختلف شرائح المجتمع وفي مختلف مجالات الحياة ،بالإضافة إلى كون سكان الهامش كغيرهم من سكان العالم بقواسم مشتركة إن على مستوى العادات وإن على مستوى التطلعات.
.
المعرفة المفتوحة في زمن كورونا:
ولم تعد التكنولوجيا شيئا آخر بعيدا عن الإنسان،وإنما هي جزء منه، فبقدر ماهي وسيلة لغاية بقدر ماهي نمط من التفكير. والتفكير التكنولوجي ليس وليد التقنية بل وليد الإنسان نفسه،هذا التفكير الذي يعزز يوما بعد يوم فلسفة المفتوح أو المعرفة المفتوحة.الجديد في هذا الفتح هو كورونا الذي أسهم في إقرار انتفاء الحدود وإعادة إحياء قيم هذه المعرفة ؛إذ أقبل الجميع على الموكات الرقمية المجانية التي تتيحها المنصات التعليمية المفتوحة على الإنترنت، هذه القيم التي تراكم أحداثا تاريخية وتحمل في طياتها أمل ثورة معرفية أساسها التواصل والتشارك بين الجميع بدون تفرقة-وهي نفسها فلسفة كورونا-بالاعتماد على التكنولوجيا. بدأ هذا النموذج في تسعينيات القرن الماضي مع ظهور ما يسمى بالبرمجيات الحرة المفتوحة المصدر وهي برمجيات مجانية يمكن الاطلاع والتعديل في شفرتها ،كانت بمثابة شرارة في إنتاج المفتوح .وفي نهاية التسعينيات أطلق أول مشروع للمحتوى المفتوح project open content مع Tim o'reillyو Éric Raymonو David wok الذين قدموا ولأول مرة فكرة البرمجيات الحرة المفتوحة المصدر .وفي سنة 2001 أنشأ Larry Lrssig مع آخرين مؤسسة تقنن الإنتاج أو الإبداع المعرفي المفتوح برخص تُبِينُ عن حدود الاحتفاظ والتنازل في الحقوق ،سُميت بالمشاع الإبداعي، وهي السنة التي تأسست فيها ويكيبيديا الموسوعة الحرة وتوالت بعدها الاتفاقيات التي تتمثل فلسفة المفتوح كإعلان برلين للوصول الحر 2005. ومنه في الوقت الذي ينظر فيه البعض إلى (طبقية ) هذا النموذج التعليمي الإلكتروني في هذه الظرفية، هو الوقت الذي تحارب فيه هذه الطبقية باتساع رقعة وحركة الوصول الحر للمعلومات والبيانات في عالم المفتوح .
النص المفتوح في زمن كورونا المفتوح:
وكثيرا ما تم إهمال جانب مهم من جوانب المعرفة، أقصد مجال الآداب والعلوم الانسانية، بدعوى الحدود الوهمية التي أقمناها ما بين التخصصات، أو بدعوى أن الأدب لا ينفع في شيء ولا جدوى منه. اليوم هناك إقبال كبير على هذه المعارف، من شعر ورواية ونصوص تاريخية أو فلسفية باعتبارها نصوصا مفتوحة مليئة بالثقوب والدلالات والمعاني والتأويلات،كبلسم شاف يستطيع مداواة جروح الفيروس التاجي covid19 أو جروح أزمة العالم التي لا يعلم أحد متى تنتهي .