ربما كان الكهف مظلمًا، تصيرُ فيه وحيدًا شريدًا، تبحث عن الطريق تطلب عدد سنين ولم تحص أن تعدهم عدًا، لكن بعض الكهوف ينقلب حالها بنور التوحيد، وصحبةٍ تعينك على ذلك، صحبة تشد أزرك، وتعني بأمرك، صحبة الكهف في ظلمة الفتن!، حين تدخل للكهف معهم تدخل لجوف الرحمة، ويكأن البداية المحرقة نهايتها مشرقة، شمسها مبسوطة عليهم ذات اليمين وذات الشمال، ولكن مهلًا ف للكهف شروط وقوانين فإذا عم الأرض الفساد وجب الابتعاد، فاعتزال السوء للفتية حفظ للنفس وتربية للروح، وميلاد الفكرة بالخلوة الطيبة، فتخرج من أغوار الأنفس في الظلمة القاتمة نور الهداية، وبداية النهاية،
فهذا القانون الأول في الكهف إلتقاء الأتقياء في الكهف،واتفاق على اعتزال سوء، وعبادة رب العباد.. واعلم أن الكهف الذي دخلته تاركًا كُل شيء ليس ليحميك، إنما تدخله ليزيدك قوة ويعلمُك مَالك، ومآلك في هذي الحياةِ الثقيلة وكيف تكون الخُطا فتمّسك بقوة وتمشي على الدرب وهذا يقودك للقانون الثاني في الصحبة
"صبر ودعاء" ، علم نفسك وهذب روحك واسق غرسك ،وخذ صحبة الدعاء لهم شعار، والعيش مع الله دثار، وإياك الغفلة والانشغال بأهل الدنيا فيُجهضُ الهدف، ولا تسقيَ أحلامك بماءالتسويف، إن ماؤه أُجاج، وإنّ اللحظات رواحل، وما إن استمسكتَ بأصحاب الهمم عَظُمت الخطى، وإن هبت رياح فراغك فلا تتركها، واستبدل السكنات بالحركات، واستثمر الخلوات بالطاعات، وما أنت أيام والموعد الله ولايضيع الله أجر من أحسن عملًا.
القانون الثالث، فر من أهل الأهواء والكفر كما تفر غدًا من ذنب، ولا تحزن إن بسطت لهم الدنيا، فغدًا توتى الخير، وتصبح أعمالهم زلقًا يضربون الأكف على الميزان الخاوي، ولا مغيث ولا ناصر،
القانون الرابع في الانتقاء ..
كن موسى النّبي في أدب طلب العلم حين تعلّم من غيره وسار مع شيخه، فأنتقى الأكثر علمًا وسعى له سعيًا، وتأدب مع من يعلمه، في الطلب والسؤال، ولم يقل أنّه الأعلى شأنًا، أو أنه صاحب الكتاب والنبوة، والمؤيد بالمعجزات والهبات، ومضى سائلًا باحثًا مُتعطشًا لفهمٍ يثبّت الأركان، ويهدي ضالّة الحيران، فسار حبوًا ومضى دهرًا، فلم يعبأ بالنصب ولا الوصب، لمجالسة أهل العلم والأدب، كن التلميذ الواضع كفّه على ركبتيه يفهم قولًا ويسأل علمًا، ويسير للهدف دون انقطاع.. ليقطف الثمار، ويزيد الأفكار
القانون في الصحبة المحمدية ارتقاء
قال لمن تصحبهم دومًا، لا نبغ عن الفردس تحوّلًا، ولا نكل، ولا نَضِل ولانُضِل، نعلم أن الميزان منصوب، والسعي مكتوب، والاختيار للأتقى، والفردوس للأنقى، والاجتباء لمن صدق، والوصول لمن لم يحيد عن الطريق ولم ينطفئ.
فقلوبنا بالذكر معقودة، وقلوبنا شوقًا لرؤية مولاها معقودة، وذلك محركًا للعمل حتى يأتي الأجل!
فهذه هي الصحبة، وعليها يكون الكهف نور، فيا لسعادة القلب بالصحبة الطيبة، فالدُنيا كلها بخير، ما دام فيها أهل التوحيد على هيئة رفاق يُعيدون المعنى في دينك ودُنياك، هم طوق النجاة وخنادقك وبنادقك في زمن الفتن الرخيص، وذلك هو الكهف الموحش ينقلب بنعمة الله وفضله ثم بالصحبة طيبة نورًا وأنسًا، ولذلك الغار الذي آوى إليه رسوله كان برحمة الله أنسًا، حين ذكر الله فيه مع صاحبه فانقطع الحزن هناك، فالكهف هو الكهف والغار هو الغار، والرشد فيهما كان بالتوجه إلي الله،
فالفتية دعوا "رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا"
وكذلك كان رشد الأمة حين أخبر المولى نبينا ﷺ في قوله "وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰٓ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّى لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا"
فإذا أردت أن يضيئ الله لك كهفك، فأكثر من الذكر يأيتيك الرشد، وابحث عن الصبحة الصالحة فإنها خير معينٍ، وآوي إلي كهوف الطاعة، من درس علمٍ أو مجلس قرآنٍ، أو فعل خيرٍ، تربح التجارة من غير بضاعة
وتخلق بأخلاق الصحبة في الكهف، وأدب المتعلم في العلم، وكن علي العهد والوعد ما استطعت 🌿
اللهم هب لنا من الصالحين وتوفنا مسلمين 🌿