Image title

لطالما أحببت أن أحاضر طلابي في جامعة كولمبيا عن فوائد أتساع معرفتنا بالآخرين وأن كانوا من خلفيات مغايره، فمعرفة الشباب بالمسنين تزيدهم حكمة، معرفة المسنين بالأصغر سنًا تزيدهم حبًا للمرح، معرفة المهتمين للرياضة بغير المهتمين لها،

معرفة المعلمين بالمهندسين، معرفة الأمريكي باللاتيني، معرفة الكاثوليكي بغيره ممن يدينون بأديان مختلفة، وأخيرًا معرفة من يصنفون لدى الولايات المتحده "بذوي البشره البيضاء مع ذوي البشره السمراء".

كلها ذو نفع وفائده، فمتى أصبح المختلف أمرًا خاطئًا؟

أن بقائنا مع أشخاص يكترثون لنفس أهتماماتنا لن يزيدنا نفعًا، في حين أن أرتباطنا بأشخاص ذوي أهتمامات أخرى قد يكون من أسباب نجاحنا، فمنها نكشف عن مواهبنا الأخرى ومنها نعرف الكثير عن شخصياتنا ونزيد من تواصلنا الأجتماعي، بل ومنها ربما نزيد تمسكًا بمبادئنا.

لطالما كنت أدين بدين الأسلام، أحب وأحترم جميع الأديان الأخرى، هكذا رباني والديّ.

طموحي ذهب بي الى الولايات المتحده وهكذا غدوت محاضرًا في جامعة كولمبيا.

في يومٍ ما، حنيني لأرضي أعادني الى بلدي العربي، أيامٌ غامره بالفرح والأحتفالات العائليه السعيده. مضت الأيام، كنت على مقربه من أنتهاء زيارتي للوطن وعودتي للولايات المتحده. بقي أجتماعٌ أخير أو بالأصح حدثٌ أخير مع لجنة الأبحاث في مدينتي. الكثير من الحضور والخطابات والتهنئات في تلك الليله.كان الأجتماع على وشك الأنتهاء، وإذا برئيس اللجنة يحضر طبقًا وضعت عليه كعكة داكنة اللون عليها زخرفات من الشوكلاته، أيقنت حينها أنها كعكة الغابة السوداء، ومع هذا لم أكن قد تذوقتها يومًا!

كان أنطباعي الأول عندما رأيت هذه الكعكة أنها كعكة طيبة المذاق، قاسيه قليلا من الخارج ،طريه من الداخل وقد تكون مرة الطعم قليلاً لما تحويه من الشوكول الداكنة. تم تقسيم الكعكة لأجزاء صغيرة لتكفي أعداد الحضور، تم توزيعها على الجميع.

كنت على حافة طاولة الأجتماعات البيضاويه بينما كان الآخرون مشغولون بالطعام والشراب. تقدم الرئيس بأتجاهي وبيده طبق، أقترب مني، رمقني بتلك النظرة، أني أعرف تلك النظره، نعم، تلك النظره المليئة بالعنصرية الطائفية، ومع ذلك تجاهلتها، فنحن في العام 2014 ( أو هكذا ظننت).

أقترب مني أكثر فتبسمت، حينها قال : لم يتبقى لك شئ عندنا، تستطيع المغادرة!

في لحظة من الصمت والصدمة كانت كحرق نار داخلي، نظرت لقطعة الكعكة السوداء المتبقية في وسط الطاولة، نظرت إليها نظرًة أخيرة ثم غادرت المكان.

عدت للولايات المتحده، كان أول يوم دراسي في الجامعه. طلاب من هنا وهناك، ثقافات متنوعه، أديان ومذاهب مختلفه، وبالمجمل خلفيات أجتماعيه متعدده. دخلت القاعة، وبعد أن هدأ الجميع سألت :

هل تذوقتم يومًا الكعكة السوداء؟