Image title

ماذا عساي نسيت؟ فقد أوضبت جميع ممتلكاتي الشخصية، مذكراتي، اوراق الطباعه، مجلد أنجازاتي، جهازي المحمول وهاتفي، نقودي....اوه لا........ تذاكر القطار.....لابد وأنها لاتزال على المنضده.

ترجلت من سيارتي بعد أن كنت ملأتها بصناديق حاجياتي وكنت على وشك الأنطلاق لوسط المدينه...اتجهت لغرفتي لأبحث عن تذاكر رحلتي بالقطار وكنت على عجلة من أمري...كانت لاتزال أمي واقفة في رواق منزلنا حينما أمسكت بكتفي وأجرت معي حديثنا الأخير قبل رحيلي.

آيسلندا الملقبه ب ( أرض الناس) هي البلاد الوحيده التي عرفتها....تتبع دائرة القطب الشمالي والأتحاد الأوربي..لا نعلم فصلآ فيها غير الشتاء..يتداول سكانها بأنها نشطه بركانيآ وانها خلال الثلاث سنوات القادمه ستثور حممها البركانيه...لم يصمد من سكانها الا القليل ولذلك لطالما عجبت من تلقيبها بأرض الناس.... أما أنا...لم أأبه يومآ لترهات السكان عن وجود الحمم البركانيه فلطالما كانوا يؤمنون بوجود الأقزام ويشيعون أخبارآ عن وجودهم بيننا ......هذه هي آيسلندا

لم تحبذ أمي يوما فكرة رحيلي الى بلاد جرينلاند.. كانت تخبرني بروعة مدينة كليرموند وكيف ان جيراننا لطفاء، وكيف انهم يستمتعون بقصصي المصورة المضحكه .... ولكنني كنت أطمح للأفضل... كانت جرينلاند فرصتي الذهبيه لأطور من مهاراتي الكتابيه...كنت قد سئمت من كليرموند... كانت قرية صغيره جدآ...سكانها قليلون جدآ فالجميع يعلم عن أحوال الجميع.... أمسكت أمي بكتفي كمحاولة أخيره لأقناعي... كانت تذكرني بمدى تعلق جارنا المسن ( السيد جيمس) بي، وكيف اني أصبحت بمثابة ابن له... أخبرتها بمدء سئمي من هذه المدينه، فقرائي من المسنين فقط...سئمت من ذهابي يومآ بعد يوم الى الينابيع الساخنه مع السيد جيمس ورفقته .. انه دائما مايحدثني عن روعة الينابيع الساخنه ...

أعتدت أن أرى جارنا السيد جيمس كل صباح حين خروجي من المنزل.. لطالما دعاني للينابيع الساخنه..... فاليناببع كانت بمثابة الملاذ الوحيد لنحظى بوقت من المتعه في هذه المدينه... كان يصر على ذهابي معه ولكني كنت دائما ماأختلق الأعذار حتى لاأستمع الى أحاديث خريف العمر في حين سباحتي مع رفاقه المسنين... كان رده دائمآ حين أرفض دعوته ( سيفوتك الكثير يابني) ... مالذي سيفوتني .... بعد أن قضيت أكثر من نصف عمري في الينابيع الساخنه مع مجموعة من المتقاعدين ياأمي؟؟؟!!! أمي، لقد أتخذت قراري ولاجدوى من الحديث..... أراك قريبآ ( ربما أقرب مما كنت أظن)....

عدت لسيارتي مجددا بعد أن قطعت وعدآ ان لاأنظر الى الخلف ثانيه ...أغلقت صندوق السياره وأتجهت لأكون خلف المقود أخيرا.... آوه كلا.....انه السيد جيمس ... جالسآ على أرجوحة فنائه الخلفي وترتسم على وجهه ابتسامته اللطيفة المحببه للقلب... سألني كعادته : أترغب بالقدوم معي الى الينابيع الساخنه هذا المساء يابني؟ أجبت: كلا سيد جيمس فأنا على عجلة من أمري... ولكن سيفوت... أجل ...أعلم ياسيد جيمس... سيفوتني الكثير .... أنطلقت بسيارتي أخيرا .... لم أستطع الا أن أنظر لأنعكاس السيد جيمس في مرآتي الجانبيه وأنا راحل... كان لايزال يبتسم فليس لديه أدنى فكره عن رحيلي من المدينه...

أستقليت القطار.. وهاأنا ذا في جرينلاند ... سحرتني طبيعتها الخلابه وجوها العليل فهي أكثر دفئآ من أيسلندا....، لم أستطع الا أن ألحظ ان السكان أكثر بكثير هنا.... بدأت عملي في ورشة الكتابة... كنت أرسل مطبوعاتي القصصيه المصورة الى دار النشر يوميآ.. كم كنت مغرورآ بنفسي...

مرت الأيام......كان رئيس التحرير خشن الطباع، دائم الأنتقاد كباقي سكان جرينلاند... فلادهشه.. فلطالما كان سكان المدن المزدحمه أشد حدة من سكان الأرياف... لم تلقى قصصي المصوره ذاك الصيت في جرينلاند مع أني أرتايت تعدد أذواق القراء.... " أن جرينلاند بلد حضاري متعدد السكان ،يوجد العديد من المراهقين والفئات العمريه الأخرى هنا بخلاف كليرموند فما الخطب ؟؟" أنا موجهآ سؤالي لرئيس التحرير بذهول... رئيس التحرير: "انه لمن الصعب أرضاء جيل الفيس بوك وانستغرام يافتى، فماذا ظننت؟ أبذل مزيدا من الجهد" ملقيآ بكتاباتي على الأرض...

شعرت بخيبة أمل.... خيل لي السيد جيمس ورفاقه اللطفاء لو كانوا يقرأون ماهو ملقى على الأرض .... لكانوا في حاله هستيريه من الضحك الآن ... خيلت لي صورة السيد جيمس المنعكسه في مرأة سيارتي الجانبيه...... كان صوته قائلآ " سيفوتك الكثير يابني" يتردد في أذني.... لم أستطع أن أخرج عبارته المعتاده من رأسي .... شعرت بحسره شديده على نفسي...كم أشتاق للسيد جيمس وكم أشتاق لأرضي آيسلندا... فأنها فعلا لأرض الناس!