يداي ترتجفان ولم تكن لتساعداني في قبضتي للقلم، قلبي يتسارع وعيناي تحملقان ل د. ماكدرموت وهي تلقي بتلك الأوراق البيضاء على طاولات الأمتحان. ومع هذا، لم أكن لأشيح بنظري عن عقد اللؤلؤ الثمين المتناسق مع لون كنزتها، فهي دائما ماترتدي اللآلئ بما يتواتى مع ألوان ملابسها ولم أكن لأعلم سر تعلقها بها.


ماهو العمل الآن؟ ماذا عساي أفعل؟ آلهي كن بقربي .. آلهي آلهمني...

لابد وأنها أنتقت أصعب المحاضرات، لابد وأنها جنت وستطرح سؤالا عن المستحيل، لابد ولابد....!

البروفسور ماكدرموت حاصلة على دكتوراة في تخصص الكيمياء الفيزيائية من جامعة هارفارد، باحثة لأمكانية الحياة في كواكب أخرى، ومحققة مشاركة مع الاتحاد الدولي سيث الذي يقوم حاليا بتطوير مستقطعات الفضاء في موسكو. وكطالبة مستجدة يملأها الطموح، أرتأيت أن أسجل في أحدى مقرراتها بعنوان (مبادئ الرياضيات والفيرياء للكيميائيين). لم أكن حينها على دراية بأن د. ماكدرموت قد تم تقييمها من قبل غالبية الخريجين ك بروفسور: مهووسة بالواجبات المنزلية، عاشقه للدروس المثقلة بالمعلومات اللا منتهيه، صارمة ومتزمته فيما يتعلق بالدرجات، بل ويتداول بأنها من أحفاد العالم آينشتاين!

كان الأوان قد فات، وبدأت مرحلة الصراع مع تلك الفروض التعجيزية، كان أدائي هو الأسوأ فيما يتعلق بها، فقررت الأستسلام وترك الأمور تأخذ مجراها، فكيف لي أن أضيع وقتي وأنا أستذكر تلك المعادلات والتي تزعم أنها بأنها لُخصت في مائة ورقة! قررت أن أدع تلك المادة الدراسية خلف ظهري وأن أستذكرها قبل يوم من الأمتحان.

إلا أن د. ماكدرموت أستدعتني للقائها بمكتبها، فكان لقاءنا الشخصي الأول ولكن ليس الأخير.

لم تكن كباقي الأساتذة، فحديثها عن تقدمي الدراسي لم يكن توبيخًا او تحبيطًا بل كان سيلا من تلك الكلمات التي توجد روح المنافسه مع الغير والتحدي مع النفس. أنهت كلامها بأشارة الى عقدها اللؤلؤ المزرق اللون فقالت: هل تعتقدين أن هذه اللالئ الجميلة البراقة و المتوسدة عنقي كانت في يوما ما ملقاة على الشاطئ؟ ماقيمتها ياترى وهي لاتزال بداخل أصدافها؟

أمامك أسبوعان، فلتبذلي كل مابوسعك.

في اليوم التالي، أحتجزت نفسي مع كومة المحاضرات تلك في احدى غرف الدراسه الخاصه بمكتبة الجامعه. أستذكرت، تمرنت و تمرنت، بل أني تمرنت ل ٤٠ ساعة في الاسبوع الاول واخرى في الاسبوع الثاني حتى أعتقدت أني أتممت المهمة وأتقنت الصعب ولربما سأخلف د. ماكدرموت في عملها في نهاية المطاف.

من أخادع؟ فالواقع كان العكس تماما، كان شعور الخوف يتملكني كلياً في قاعة الأمتحان تلك من أن لا أبلي جيدا كما هو الحال في الفروض المنزلية.

مرت الأيام، حانت اللحظة، لحظة تسليم نتائج الأمتحان.

سلمتني د. ماكدرموت ورقتي والتي دونت فيها ملاحظة بخط تعليم الدرجات الأحمر، أنتابني الهلع أولا و الصدمة ثانيا لما كُتب فيها، فكانت:

لأول مرة في تاريخي المهني والذي أستغرقني ٢٠ عاما أشهد طالب/ة تقفز من الهاوية الى القمة في أسبوعين فقط. مبروك، درجتك هي الأعلى في الصف الدراسي.

لم أكن لأصف السعادة، لم أكن لأصف مدى روعة اللحظة فلم أرغب بأن أعيد تلك الورقة الى د. ماكدرموت، بل لوهلة رغبت أن أحنط تلك الورقة كما يتم تحنيط الأموات وأن أعلقها بغرفتي مدى الحياة ، إلا أنها سحبتها مني كما يتم سحب النقود ذات الفئة الكبيرة من منفذ الصراف الآلي.

أبتسمت د. ماكدرموت ثم سائلتني بدهشه: كيف فعلتها؟

فأجبت: شخصٌ ما أخبرني يوماً أن أبحر وأن أغوص في الأعماق، ففعلت ذلك، إلى أن وجدت اللؤلؤ!