ترجمها عن الألمانية : أحمد البخاري


Image title


هذا ما حلمت به مؤخراً ، كنت خارج البلاد، ولابدّ أنها كانت بلد أفريقية، لأن الناس هناك كانوا سود، وقد كنّا البيض الوحيدين، أينما ذهبنا وحللنا.

ومثل هكذا حلم، لم يكن بالشيء المميز، ولا المستحق ذكره، فأنا غالباً ما كنت أحلم، بوجودي وحيدة بين رجال الأسكيمو، أو الهنود أو الصينيين، أحلام محفّزة، وعلى الأغلب أكثر إثارة، بمغامرات أجمل.

لكن هذا الحلم الذي بين السود كان مختلفاً تماماً، حلم مخيف لأننا ـ أقصد والديّ وأخي مايكل ـ لم نكن كسائحين، بل كطالبي لجوء ! ، لا أعلم لما كان علينا في هذا الحلم الهروب من ألمانيا، حرب ؟ مجاعة ؟ هتلرية ثانية ؟ مهما كان السبب ، فقد كنّا هاربين ونبحث عن حماية في هذا البلد الأسود، شعرت بذلك بوضوح شديد، لقد كنّا في حالة إستجداء.

وهكذا تم معاملتنا بالضبط، على كل حال، لم يكن لدينا أي بيت ولا معنا أي سيارة، حتى نقود لم تكن معنا، كنّا فقراء، وعندما حاولت ماما شراء طوابع بريدية من البريد، وواجهت صعوبة في التعامل مع النقود المعدنية في هذا البلد، صرخ موظّف البريد عليها، وأحست كأنها ولد مشاغب.

وعندما دخلنا إلى متجر، أصبحنا نُشاهد بشكل مثير للريبة، كما لو أنه من المفهوم بكل تأكيد، أننا لا نريد أي شيء سوى سرقة “الكاصّة” أو على الأقل، أن تختفي كل الأشياء من الرفوف دون أن يلاحظ أحد.

أردنا تناول طبق حساء في مطعم، ولكن مجرد أن رأى النادل وجوهنا البيضاء، وضع بسرعة شديدة علامات على جميع الطاولات "كتب عليها محجوز" ، جياعاً لُزم علينا الرحيل.

شقة ؟ لم نجد أي شيء، وأي شقة كانت معروضة للإيجار نسمع عبارة "أعذرونا .. لقد تم أخذها بالفعل".

في النهاية كنّا محظوظين، وجدنا فقط غرفتين صغيرتين ومطبخ، لكن أفضل من لا شيء، كان علينا مشاركة الحمام مع عائلة أخرى، في نفس المبنى كان الإيطاليون والفرنسيون والإنجليز والبولنديون يتشاركون المنازل مع بعض، اللون الأبيض كان هو الطاغي، وعلى جدران البناية، تحديداً تحت نافذتنا، تمّ بخّ عبارة بخط كبير : "أطردوا الأجانب" ، وتحتها كتب "بيض قذرون" !!

ذهبت للمدرسة هناك، مثل مايكل، مايكل الذي عاد في اليوم الأول متسخاً وقد تمزّق كمّه، طلبة سود قاموا بضربه ضرباً مبرحاً في ساحة المدرسة، مايكل طويل وقوي، وقد بلغ بالفعل الرابعة عشر من عمره، لكن الكثرة تغلب الشجاعة، كان يتألم بغضب.

لحسن الحظ لم يحدث معي ذلك، كنت أجلس بجوار فتاة سوداء في المدرسة. كانت حبّوبة معي، لعبت معي خلال فترة الإستراحة، وشرحت كل شيء لم أفهمه، ولهذا كنت سعيدة.

لكن في تلك الليلة، في السكن، عندما كنا بالفعل نائمين، أنكسر زجاج النافذة الذي فوق سريري فجأة، طار شيء ما ليتحطّم بشكل مروّع، والغرفة كلها أصبحت مشتعلة، أشتعل سريري أيضاً، وأنا أيضاً طالتني النيران، صرخت وصرخت وتألمت، كما لم أتألّم طيلة حياتي الحقيقية، تناهى لسماعي صوت ماكيل وأبي وأمي "نينا .. نينا"، يصرخون، لكنهم لا يستطيعون مساعدتي، لأنني كنت أحترق.

بعدها كنت ميّتة، كنت أستطيع أن أرى نفسي، لأنه كان حلماً، كنت ملقاة قطعة متفحمة صغيرة وسوداء في الرماد، وكان والديّ يبكيان، أما مايكل فقد كان يصيح : لا أريد البقاء في هذه البلد المرعبة بعد الآن ..!!

في الخارج، أمام المنزل المتفحّم، كان العديد من الناس يقفون، زوجان منهم وضعا زهور تحت النافذة التي كنت أنام خلفها، آخريين سمعتهم يقولون : ليس لدينا شيء ضد الأجانب، لكن كيف يمكننا إعطاءهم أموالنا التي تحصلنا عليها بشقّ الأنفس، نحن لسنا جنّة العاطلين، آمل أن يتفهموا هذا قريباً، عندها لن تحدث حوادث كهذه، لأن كل شخص لديه إنتماء لبلده.

أستيقظت وأمي تهزّني، ما بك يا "فأرتي الصغيرة" ؟ سألتني خائفة، لقد كنت تصرخين!، هل حلمت حلماً سيئاً .؟!

" كنت محروقة ؟! " بكيت، "أحدهم حرقني" !

"صغيرتي نينا" قالت أمي وهي تحتضنني، من يستطيع فعل شيء كهذا، من أين جائتك هذه الأفكار ، الكل يحبّك .

سحبت  " السرّانتي " لأعلى، فأصبحت غرفتي مشرقة، غرفتي التي كانت كبيرة بحجم الشقة التي كانت لدينا في الحلم، من خلال النافذة رأيت مايكل يتريّض في الحديقة، ورائحة القهوة تعبق قادمة من المنزل، لكن على جدار "مبنى إيواء اللاجئين" الذي أمرّ به في طريقي إلى المدرسة، وجدت عبارة "أطردوا الأجانب" ! ، و "أيها السود .. نيّكوا " ! .


------------------------------------------------------------------------------------------------------------

Image title

عن الكاتبة Gudrun Pausewang
كاتبة ألمانية توفت شهر يناير 2020، وأشتهرت بكتابتها في أدب الطفل وأدب الشباب، تحصلت على العديد من الجوائز الدولية والعالمية، كما ترجمت كتبها للغة الأنجليزية، كانت مهتمة بالكتابة عن السلام وحماية البيئة والتحذير من مخاطر الطاقة النووية.