Image title
رسائل خبيثة-– الســم فــى العســلبقلم د. طارق رضوان

ترى لماذا ينتج فيلم عن أسطورة دراكولا مصاص الدماء للأطفال؟ وهل لذلك تأثير سلبي تربويا في هذه النوعية من الأفلام؟

فيلم التحريك الأمريكي Hotel Transylvania عام 2012 والمستوحى من أشهر قصص سينما الرعب، والمقدم من خلال حبكة مبسطة دون أن تخلو من الدعوة لقبول الآخر المختلف والحب والصداقة والعائلة ولو في الظاهر، حيث يدس السم في العسل، بينما يسعى صناع هذه النوعية لتكريس مفاهيم جديدة عن الشر الجميل والمبرر عبر الخداع البصري والذهني بأقوى المؤثرات.

فمنذ عام 2012 صار بإمكان الأطفال الممنوعين من مشاهدة أفلام الرعب متابعة أشهر مصاص دماء في عالم أدب الرعب. وذلك بعد أن أصبح دراكولا شخصية طيبة غير مخيفة.

باعتباره أبا حنونا تحوّل منذ وفاة زوجته للمبالغة في حماية ابنتها الصغيرة مافيس وبنى لها فندقاً 5 نجوم لا يستقبل سوى الوحوش الذين يجدون في داخله السلام والراحة، من عالم البشر الأشرار!! وبمناسبة عيد ميلاد ابنته الـ118 أقام دراكولا حفلا ضخما في فندق ترانسلفانيا دعا إليه جميع أصدقائه الوحوش، لكن شاباً من البشر يدعى جوناثان يدخل الفندق مصادفة ويقع في غرام ابنة دراكولا، الذي سبق وفعل كل الحيل من أجل أن يجعل ابنته تكره عالم البشر الأشرار ، وإن كان يضطر لقبوله في النهاية.

هنا تتجلى رسالة خطيرة وخبيثة موجهة للأطفال تسعى لدحض فكرة الخير والسلام التي يدّعي صناع العمل أنهم بصدد تكريسها، فالبقاء للأقوى والأكثر وحشية في عالم تحاصره الوحوش ومصاصو الدماء من كل جانب! فالوحوش سوف تدافع عن نفسها في مواجهة عالم البشر الأكثر وحشية. فهنا يتبادل الوحوش والبشر الأماكن بعد أن استخدمت السينما مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" للتأثير في أكبر قدر من النشء بأفكار على هذا النحو من المكر والخطورة في حين ترفع شعار التسلية والمواعظ طول الوقت.

السينما المصرية

وقد بلغت السينما المصرية ذروة تألّقها في الخمسينات والستينات بفضل حفاظها على هويتها المستقلة وطابعها الخاص، والخلاصة أنّ هناك فرق شاسع بين تقديم أفلام عربية وبين تقديم أفلام أمريكية ناطقة بالعربية!! …

قدمت السينما العربية – والمصرية على الأخص –  تلك النوعية من الأفلام المرعبة بكثرة خلال عقد الثمانينات، يكفي القول أنّ أفلام ( الإنس والجن، التعويذة، البيت الملعون، كابوس، عاد لينتقم) . إلّا أنّها لم تحقق شعبيةً تذكر في الشارع العربي؛ وذلك لأنّها كادت أن تتسبب في إيقاف قلب المشاهد من  فرط الضحك.

اتسمت أغلب الأفلام العربية المصنفة كأفلام رعب بالركاكة وعدم التماسك علاوةً على أنّها جاءت في صورة هزلية، وقدمت بأسلوب نمطي خالي من أدنى محاولات الابتكار والتجديد.

يشار هنا إلى أنّ المحاولات الأولى لتقديم أفلام الرعب في الغرب اعتمدت بصورة شبه كاملة على تلك الأساطير والخرافات، وكانت البداية من خلال الفيلم الفرنسي القصير The Devil’s Castle عام 1869. يكفي القول بأنّ هناك قرابة 100 فيلمًا يستند إلى الإنتاج الأدبي لكاتب واحد هو الأمريكي الشهير ستيفن كينج!

يمكن القول أنّ قلة الإنتاج الأدبي العربي من روايات الرعب كان له أثرًا سلبيًا على صناعة السينما، وكان أحد الأسباب المباشرة في قلة أفلام الرعب التي تم تقديمها عربيًا، وكذلك سوء مستواها الفني مقارنةً بما جرى في الولايات المتحدة وأوروبا.

ولا يمكن إلقاء اللوم هنا على الأدباء، حيث أنّ الأديب بطبيعته يستقي أفكاره من ثقافته الموروثة والحضارة التي ينتمي إليها. لابد أن نعترف بأنّ هناك العديد من القيود المفروضة على كُتّاب السيناريو والمخرجين العرب بعكس الكاتب الغربي الذي يتمتع بحرية شبه مطلقة، وتتضاعف تلك القيود حين يتطرق الكاتب لأمور شائكة – قد يرى البعض أنّها تتعلق بالدين – مثل الأمور الغيبية والعالم الآخر وغير ذلك.

كما أنّ النسبة الأكبر من تلك الأعمال ما هي إلّا محاولة لتمصير عدد من أعمال الرعب الأمريكية، وبناءً على ذلك جاءت غير مبتكرة وخالية من أي تجديد يذكر بما ذلك مسلسلات الرعب التي تم إنتاجها مؤخرًا.

لكن لكى نكون منصفين  تم تقديم عدد من أفلام الرعب العربية التي لاقت استحسانًا من الجماهير والنقاد، وقد كانت السينما المغربية صاحبة الريادة في هذا النمط السينمائي، حيث أنّ الأفلام التي قدمتها -رغم قلتها- يمكن وصفها بالجيدة ومنها فيلم "قنديشة" في عام 2008.

فيما يخص السينما المصرية فهي الأخرى قد قدمت عددًا من الأفلام المقبولة منها "فيلم الرقص مع الشيطان" بطولة نور الشريف، وتأليف محمد خليل الزهار وإخراج علاء محجوب، وفيلم "استغاثة من العالم الآخر" بطولة فاروق الفيشاوى ومعالى زايد وتأليف أحمد عبد الرحمن وإخراج محمد حسيب، وفيلم "أحلام حقيقية" بطولة حنان ترك وخالد صالح تأليف محمد دياب وإخراج محمد جمعة.

العامل المشترك بين تلك الأفلام هو أنّ صُنّاعها لم يضعوا الرعب على رأس أولوياتهم، بل كان الرعب هنا أثرًا جانبيًا فرضته طبيعة الأحداث والأجواء التي بها الفيلم.

وتكمن روعة تلك الأفلام في تفادي السقوط في فخ النسخ والتقليد من السينما الأمريكية، حيث أنّها لم تتطرق إلى اللعنات والسحر الأسود وعالم مصاصي الدماء، بل إنّها لم تجعل من إخافة المشاهد هدفًا رئيسيًا لها، فالرعب في تلك الأعمال وسيلة وليس غاية.