الثلاثاء | الحادية عشر مساءًا 

Image title


منذ بداية الأزمة وفور صدور قرار الحجر المنزلي وحظر التجول، كنت أيقن بداخلي إن تلك المحنة ستغير مفهوم العزلة إلى الأبد أو بشكل آخر ستعيد تعريف العزلة.. اخشى أننا لن نرى العزلة باهره كما اعتدنا رؤيتها..

اخشى ان تفقد العزلة بريقها

يقولون عنه ( كورونا ) سلب مننا مساجدنا، اعمالنا، عوائلنا وابنائنا واخواتنا.. حياتنا اليومية التي لطالما اعتدنا عليها والكثير مما نجهل.

لكنني لم اكن افكر بماذا سلب مننا بقدر ما كنت افكر "ماذا سيترك لنا" ؟

أتوق شوقاً لمعرفة الخارج بعد كورونا.. اشعر بأنني ولدت منذ جديد وباستطاعتي الان اكتشاف العالم كما يحلو لي.. لن يُقال لي "لا تفعلي.. توقفي.. لن يناسبك.. لست كبيرة بما فيه الكفاية لتقومي بذلك" كما كنت اسمع بطفولتي، لإننا سنعيش وسنحضر جميعنا لحظة ولادتنا من جديد إنما الاختلاف فقط في اجسادنا البالغة.

أتوق شوقًا لمعرفة حال العزلة بعد أزمة كورونا ؟ ما الذي ستخزنه عقولنا عنها ؟

 هل ستبقى طبيعتنا الانطوائية كما عهدناها محبة للعزلة ؟

هل ستحتفظ العزلة بتفردها .. ام انه سوف يسلبها كورونا مع كل ما سلب؟

هل نحن بأنفسنا سنعود برغبتنا إلى اللجوء للعزلة كملجأ، كمهرب، كفرصة لترتيب دواخلنا

اشك في ذلك.. لطالما صورها كورونا كتطبيق قهري وإجباري على الأرواح الغير المحبة للعزلة..

حولها من قرار نستطيع اتخاذه لوحدنا أي وقت نريد وأي يوم نريد إلى قرار أصبحنا ووجدنا أنفسنا نطبقه بلا تخطيط. ولست وحدنا إنما جميعنا

الأحد | ٨ مارس في التاسعة مساءًا

لم أكن أقدم على فعل شيء إضافي في ذلك اليوم بسبب الجهد الذي بذلته بداية من الصباح الذي أتى حاملا أوراق اول اختبار نهاية إلى الليل الذي قضيته أتنقل بين واجبات متراكمة.


لم اكن أقدم على فعل شيء سوى انني ألغيت البيانات الخلوية عن هاتفي تفادياً للرسائل واحتياطا لنوم هادئ..وضعت منبه و استلقيت راغبة في النوم استعدادًا لبداية يوم دراسي جديد.

أصبحت بالفعل في يوم جديد لكن على كم هائل من الرسائل جميعها نفس المحتوى: "لا يوجد حضور؛ اذهبي إلى عائلتك" ..

لم استوعب ولست مستعدة ولم ارغب في الحجز والرجوع لمنطقتي..حيث انني اسكن في منطقة الحدود الشمالية وادرس في الرياض، وكانت ذلك اول مرة اشعر بعدم الرغبة للرجوع لمنطقتي، بل كان جل تفكيري "لو أنني اقدمت على اختبار ما تبقى لي من المواد الدراسية" .. خلدت بعدها للنوم ثانية وكأنني لم أقرأ شيئًا لإنني لم اود ذلك التعليق فعلا.

(ذلك اليوم هو اليوم الذي اخبرني بجدية الأمر وأيقنت الوضع حينها)

استيقظت بعدها بساعتين على رسائل ابي يخبرني فيها أنه قد حجز لي وكان ذلك اول حجز لم اكن سعيدة فيه.. على رسائل أمي وكانت تخبرني بإن لا أنسى شيئا قد احتاج له وأجلب معي كل ما يلزمني.. على رسائل صديقتي الأخرى تخبرني: "لا تنسي أن تحضري معاك كمامة ومعقم للمطار..استودعتك الله"

أخذت بتوصية صديقتي وخرجت لأقرب صيدلية ولم اجد فيها سوى (مناديل معقمة)، في الايام السابقة لهذا اليوم اعتدت على رؤية المعقمات متراكمة على الأرفف.. أنا اليوم اسال عنها ولا اجدها.

منذ عام ٢٠١٨..منذ أن بدأت دراستي بالرياض اعتدت على أمرين وأصبحا أمر ليس بغريب على أيامي..  إما (سفر بالسيارة أو الانتظار في المطار) كل شهرين كنت استخدم احداهما إما للذهاب أو للرجوع، وكان ذلك اول انتظار في المطار لم اسعد به.

وهذا ما كنت اقصده بـ "ماذا سيترك لنا كورونا" 

كل الأشياء التي لطالما سعدت بها..أتى بها يوم الأحد ٨ مارس دفعة واحده: منطقتي، عائلتي، أختي، عزلة

كل شيء موجود في ذلك اليوم ولكن كان كل شيء تنقصه الرغبة التامة فيه.

لم أكن اود قدوم ذلك اليوم الذي أتى حاملا كل ما اسعد به في ظل أزمة كورونا*

الثلاثاء| ٧ شعبان ١٤٤١.