الرعب في الأفلام لا يجب أن يكون غايةً، بل هو مجرد وسيلة لعرض القصة وتقديم الرسالة والمضمون الذي تحمله، ولعل خير مثال على ذلك هو فيلم IT الذي تم عرضه قبل فترة قصيرة، والذي حقق نجاحًا جماهيريًا ساحقًا وحظي بإشادة كبيرة من النقاد.
وجدير بالذكر أنّ جذور الحضارات العربية تمتد آلاف السنين في عمق الزمن، وبناءً على ذلك فإنّ موروثها يعتمد على الحقائق التاريخية التي تم المبالغة في تصوير بعضها مما أصبغ عليها طابع الأسطورة، ونتجت عن ذلك السير الشعبية مثل سيرة أبو زيد الهلالي وعنترة بن شداد وغير ذلك من القصص الملحمية التي تتمحور حول البطولة والعزة والفداء، أمّا على الجانب الآخر نجد أنّ الحضارات الأوروبية عمرها قصير وموروثها الثقافي قائم بصورة أكبر على الأساطير والخرافات التي انتشر أغلبها خلال القرون الوسطى، ومنها أسطورة الكونت دراكولا والمستذئب وغيرها من الروايات التي تدور حول اللعنات والشياطين والقوى الظلامية.
وقبل ظهور رواية " برام ستوكر " بكثير تجد ان خصائص مصاصي الدماء اندمجت ببعضها عبر العصور و الثقافات ، منذ العصور الأوائل و حتى يومنا هذا ، فاختلطت بأساطير شعبية و أخرى شيطانية ، و أساطير أطلقتها السلطة لتخويف الشعوب ، أو أساطير ارتبطت بالدين و المعتقدات بمختلف أشكالها .. ولكن في المجمل .. ارتبطت أساطير مصاصي الدماء .. بالدمّ .. وساعد فى ذلك انتقال بعض المستكشفين من العالم القديم - أوروبا و أفريقيا وآسيا - إلى العالم الحديث أمريكا.
تعود البذرة الأولى لمصاصى الدماء قبل 4000 سنة، حين خشي الآشوريون و البابليون من لاماستو ( او لاملاشتو ) وهي شيطانة ولدت عبر ولادة فاشلة لربّ السماء ( Anu ) ، و تخيّل الأشوريون أنها تتسلل إلى البيوت و تقتل الأبناء أو تسرقهم لكي تشيطنهم ، وربطوا ذلك بحالات الإجهاض التي تحدث للنساء في ذلك الوقت .. و الترجمة الحرفية لاسمها " she who erases " ، " هيَ التي تمحو " ، وتستهدف أحياناً البالغين ، فتمصُّ دمائهم و تجلب لهم الكوابيس السيئة ، وقد صورّت لاماستو على شكل امرأة مجنحّة بمخالب طويلة ، و أحياناً برأس أسد ، و لكي يتجنبها الناس ، قاموا بلبس تعاليق تمثل الربّ الشرير.
فالشعوب القديمة عبدت أرباباً وُصفوا بالعطش للدماء و ذلك لدفع شرهم ، وبذلك ارتبطت هذه الأسطورة بالدين و الخلق ( ولذلك كثيراً ما نجد الصلبان والمياه المقدسة مثلاً في الشكل الحديث للأسطورة ) ، وقد ساد سلوك شرب الدم بين الناس ، فاعتقد المصريون القدامى أنه يمنح طول العمر و قوة الجسد.
ففي روما ، و أيام نشوة و عزّ الحضارة الرومانية ، ساد اعتقاد بين النساء الرومانيات أن شرب المرأة العقيم لدم المرأة الخصيبة سيعالجها ، و كذلك بين الرجال لزيادة الخصوبة ، وانتشرت الأمراض بشكل مروع و مخيف في روما بسبب هذا التصرف
وفي أمريكا الجنوبية وبعض ملاحظة ودراسة، وجد المستكشفون خفافيش .. تهجم ليلاً وتقتنص رقاب النائمين لتمصَّ دمائهم .. وتعود يوماً بعد يوماًً .. كلٌّ إلى نفس هدفه .. و تكمل مشوار امتصاص الدماء .. حتى يموت الهدف .. بسبب فقد الدمّ .. ومن هنا انتقلت صورة مرعبة ارتبط فيها مصاصو الدماء بالخفافيش .
كذلك خاف الإغريق من بنات " Hecate " ربّة السحر ، ويملكن القدرة على تبديل أشكالهن ، وتروي الاسطورة أنهنَّ هربت من هيدز ( العالم السفلي ) في الليل ، على شكل نساء جميلات ، و يغرين الرجال ثم يقتلنهم.
وانتقلت الأساطير إلى غرب أوروبا ، و ذلك ما فتّن الكاتب الإيرلندي " برام ستوكر " وبهذا اتجه إلى كتابة كتابه الشهير " Dracula " ، والذي كان أصل الأسطورة الحديثة ! ..
في منتصف القرن الخامس عشر ، حكم رجلٌ يدعى "فلاد"أو الذي عرف في بعض كتب التاريخ باسم " Vlad Dracula " و التي تعني بالرومانية .. فلاد الشيطان .. كان حاكماً جائراً ساطياً ، وقف حجراً في حنجرة العثمانيين الذين لم يستطيعوا تجاوز رومانيا بسبب جيشه الصغير ، بل والحقّ يقال ، كان السبب الرئيسي في هزيمتهم ، بعد أن نكصّوا على أعقابهم لمواجهته بعد أن تعمقوا في أوروبا.
"دراكولا" واحد من اشهر الشخصيات الادبية التي اكتسبت تجلياتها فى العديد من الأعمال السينمائية والمسرحية والكارتونية. مُثلت مسرحية دراكولا في سنة 1927 و تبعها الفيلم ، و عبرها وصلتنا صورة دراكولا الشهيرة ( العباءة السوداء ، والشعر الكثّ الأسود ) ، اما وصف ستوكر فكان لعجوزٍ قبيحٍ أبهتهُ الزمن.
لكن إذا ما عدنا إلى رواية "دراكولا" لبرام ستوكر، والتي حظيت يمئات الدراسات النقدية والتحليلات المختلفة لما تحمله من رمزية عميقة، تقدم لنا بنية سردية متكاملة ومعقدة في مواجهة مباشرة بين فكرتي الخير والشر.
ويقال إن هذا الرجل المريض نفسيًا، فلاد الثالث ، كان يتلذذ بمشاهدة مناظر القتل والتعذيب لدرجة أنه تعمد أن يكون حول قصره من كل الاتجاهات خوازيق يعدم عليها الناس.
كما هاجم «دراكولا» مدينة براشوف الرومانية، معقل البويار، للانتقام منهم، وأعدم قرابة 30.000 من تجار المدينة وقادتها خزقًا صبيحة الاحتفال بعيد القديس برثولماوس، في 11 يونيو 1459، بعد اتهامه إياهم بالفساد والتآمر على والاكيا، بعدها خلد إلى الراحة وتناول الغذاء وسط الجثث المعلقة على الخوازيق، تاركًا إيها للتعفن، تحذيرًا منه لكل من تسوّل له نفسه الخروج عن طاعته.
وذكرت المصادر أنه خوزق راهبًا مع حماره، كما خوزق 500 شخص من المنتسبين إلى الأسر العريقة، ويقال إنه استمتع عندما خوزق 600 تاجر أجنبي، كما رمى 400 طالب في نار كبيرة أشعلها لهذا السبب، وأجبر الأطفال على أكل لحم أمهاتهم اللاتي قتلهن، وقطع ثدي بعض الأمهات، وخيط محلها رؤوس أولادهن، كما جمع كل متسولي البلد وقدم لهم الأكل، ثم قام بإحراقهم وسلخ جلود أرجل الأسرى الأتراك ثم مسحها بالملح، وجعل الأغنام تلحسها.