دون الشماتة في الموت و دون لعب دور الحاكم الفصل في قرائر الناس و مصائرهم،لا نرى سببا وجيها واحدا في الترحم على شخص حرم على نفسه الرحمة و لم يرض بأن يكون مدعاة للتعاطف و الترحم.لا نرى أي دعوى أو أي عذر في الترحم على شخص لم يترك وراءه إلا سوء السيرة و الذكر في ذاكرة الكثيرين الذين شهدوا على تجرءه على الافتراء عليهم و جرحهم و التشهير بهم بأقذع الأكاذيب لأخطاء ارتكبوها و لم يتعمدوا ارتكابها أو لعيوب نفسية و فكرية خارجة عن نطاقهم.
هذا هو الحال المؤسف للمسماة نوال السعداوي...تلك المرأة التي عرفت و شهرت بداعية الشذوذ و قد وصلت بها التسميات لهذه الدرجة الفظيعة على قدر سعيها الامتوقف و عملها الدؤوب في محاربة قيم العقيدة الاسلامية و الاعتقاد بأحسم سنن الكون و طبائع الحياة بدعوى دفاعها عن حقوق المرأة و حمايتها من كل أنواع الاضطهاد...
لقد كان رحيل هذه المرأة عن الحياة قد انقضى منذ مدة لا بأس بها و عن عمر يناهز مرحلة تسعيناتها.
لا داعي في الاسهاب في الحديث عن كم المناسبات و غير المناسبات حيثما جندت نفسها لمحاربة أسمى و أرقى و أنبل ما منحنا إياه دين الإسلام الحنيف من سنن و قوانين تنظم حياتنا و شرائعنا.لا داعي للإطالة في تعديد تصريحاتها الجنونية و المرضية حول الحجاب و كل فتاة أو إمرأة ترتديه.لا داعي في شرح ظاهرتها النفسية التي استفحلت عنها وهي نفيها لوجود الجنة و النار بل حتى اليوم الآخر.
لا أحد ينكر في مهارتها في الابداع الذي أظهرته و البلاء الحسن الذي أبلته في كتاباتها التي أبرزت الدرجة القياسية التي وصلت إليها قريحتها الغنية و الخصبة.ولكن فنها الكتابي خرج عنها وليد المرض النفسي العضال الذي عانت منه طوال حياتها و قد كان سببه محيطها السلبي و المتزمت الذي عاشت و تربت فيه منذ طفولتها.عاشت طوال حياتها و قد أكل فيها هذا المرض العضال الوجه و العيون و الذهن و القلب إلى أن جعلها كتلة من العقد الذهانية و الامراض النفسية التي لا شفاء لها و لا علاج.عاشت طوال حياتها و هذا المرض المزمن جعل منها مخلوقا عجيبا كل همه إفراغ تقرحاته في كل ماهو مختلف و متقاطع مع معتقداته العقيمة و السخيفة.
كانت لآخر رمق في حياتها تحارب الحجاب و الصلاة و الدعاء إلى الله بكل ما إوتيت من قوة و نفس دون كلل و لا توقف.كانت لآخر لحظة من عمرها لغاية طلوع روحها تكرس نشاطها النسوي و نضالها و ثقافتها في سبيل مهاجمة كل من ترتدي الحجاب و التجريح بها دونما استحياء ولا اعتذار.
كل كلامها الذي لم و لن أنساه عنها بل و بقي كالجرس الرنان في أذن الجميع كلما مرت على الأذهان:"الحجاب رمز التخلف"،"الحجاب ينقص من جمال المرأة"،"لا أرتدي الحجاب الذي يخفي جمالي"،"أنا مسلمة بالصدفة و ما فيش نار بالآخرة"،"إيه السبب الي خلاني ألبس الحجاب و أمنع نفسي من الحياة،عمر المحجبة تجي و تسأل نفسها السؤال ده؟"
أنا لم أتذكر مرة سألت نفسها أي سؤال فلسفي ولا منطقي حتى عن أي شيء،بل حتى عن ذاتها و عن جدوى ما تقوم به و ما تكرس نضالاتها لأجله ولا عن جدوى وجودها في الحياة.
كل هذا فقط لأنها غرتها نفسها المريضة و العليلة التي لم تشفى لأبد الآبدين و لآخر قيام الدهر و غرتها جنون عظمتها ووهم امتلاكها للحقيقة و المنطق و العقل الفذ المفكر.غرتها شهرتها التي بلغت الآفاق و الهبات و العطايا و سخاء المدح و الثناء التي تم إهداءها إليها في شكل نحت إسمها في الجوائز و المؤتمرات و فوق أسطح شهائد التقدير لنشطاء الحقوق و السلام المعروف عنهم تفانيهم في الدفاع عن حقوق المرأة.لقد كانت كمخلوق جنوني تحركه شهوة واحدة و غريزة واحدة لا ثاني لها مثل شهوة الشرهين للأطباق التي يحبونها:شتم الحجاب و وسمه بالتخلف و القبح و عدم الإبقاء له على فضيلة واحدة.طبعا دون إلقاء بال على أمهات القضايا الأساسية التي تهم الشعب العربي و الوطن العربي.
لم أسمع لها يوما حديثا و لو بحرف واحد عن القضية الفلسطينية و لم أسمع لها ربع حرف واحد استهدفت به الظلم الصهيوني المسلط على العرب منذ عقود و قرون.لم أسمع لها يوما اهتماما يذكر بالشؤون الطبقية و هموم الناس و استغاثات المسحوقين و الطبقات الهشة و المستضعفة.
فقط كل ما دأبت على فعله هو منح نفسها مفوضية التحدث باسم المرأة و القرار نيابة عنها و كأن جميع النساء و ضحايا الاضطهاد الذكوري في حاجة لنصرتها لهن وفي انتظار لغوثها لهن.
لقد رحلت داعية نزع الحجاب و الظلال و لا أسف و لا حزن على رحيلها.رحلت صاحبة كتاب"إمرأة عند نقطة الصفر" و مقولة"نزع الحجاب كي تظهر المرأة جمالها".رحلت من كانت تدعي أنها صوت النساء المضطهدات و المرأة الحرة.رحلت من كانت تسخر قواها في سبيل أتفه القضايا حيث وضعتها فوق كل أولوية و كل اعتبار.رحلت و لم تبق لنفسها أثرا طيبا يمكن التحدث عنه أو يمكنه جعلنا نتحسر على رحيلها مثلما تحسرنا على رحيل عديد الكتاب العظماء و المناضلين الأفذاذ.رحلت من كان رحيلها لا يحزن و لا يغني شيئا و لا يخسر و لا يفقر.و رحلت من لم يلبث رحيلها إلا أن يكون سرابا ذهب مع تلاشي الرياح و لم يشفع لصاحبه لا إنتاجاته و لا أعماله و لم يعد أحد يفكر في السؤال عنه بعد رحيله.رحلت و لا عزاء لها.و لا عزاء لكل سفيه جعل من الثقافة جهلا ومن الجهل ثقافة.لا عزاء لمن دعى للإلحاد و روج له و حاول بكل قوته غرسه في عقول البشر.لا عزاء لأي من دعى لمحاربة الحجاب و محاربة الإيمان بالدين الحنيف السمح و التعدي و الاجتراء على قيمه الراقية و السامية.لا عزاء لمن لم يبقي على حسنة لمسلم أو مسلمة بالعموم و المحجبة بالخصوص.
كل ما أكتبه عن تلك المرأة الحقودة هو في ذكرى سماعي عن خبر وفاتها الذي فاتني ببضعة أيام...ولم يفوتني شيء...