وفجأة توقف العالم!! فبدلاً من أن يقف على قدم وساق إذا به يقف على كمّامة وقفّاز!

حتى الدول التي كانت تتنافس لصنع مايُهلك الحرث والنّسل ، و يعكّر على الإنسان صفو عيشه - حتى وإن رآه تقدّماً وتطوّراً - رأيناها تنظر إلى دول أقلّ منها حضارة لكي تخلّصها من هذا الفايروس الذي لايُرى بالعين المجرّدة!

ولم تكن هنالك حروب باردة ولا حارة كما جرت  العادة ، ولم  يكن الحديث حديثَ مضادات للطائرات ولا حديث قنابل هيدروجينية أو انشطارية ولا رؤوس نوويّة ولا حتى حرب الكترونيّة بل كان الحديث  يتوجّه إلى من يُخلّص البشريّة من هذا الداء العضال؟! بغض النظر عن جنسه أو لونه!!

رأينا زعماء دول كُبرى يتخبّطون ويصيبهم مايُصيب عامة مواطنيهم ، رأينا هشاشة هذه الدول الرأسمالية ، ورأينا هشاشة عظام رؤسائها وهم يقفون أمام مواطينهم متظاهرين برباطة الجأش قبل أن يتفشّى الوباء  ويخرج عن السيطرة.

رأينا هذه الدّول تتهاوى وتضيق بها السُّبل بعد أن كانت ملء السّمع والبصر !!

والضدُّ يظهر حسنه الضدُّ ، رأينا دولاً تقف شامخةً راسخةً ، تعاملت مع الحدث كما يجب من غير ضجيج ، لا تهويل ، ولا تقليل ،  شاهدنا زعماء يبثّون الطمأنينة والهدوء في نفوس مواطينهم ويتخندقون معهم في الضراء قبل السراء!

نعم لقد ظهر الوجه الآخر للعالم لكن الظهور مختلف فبعضهم يشبه العملة سواء أكانت ورقيّةً أم معدنيّةً فظهورهم على أيّ وجه حسن:

هُوَ البَحرُ مِن أَيِّ النَواحي أَتَيتَهُ

      فَلُجَّتُهُ المَعروفُ وَالجودُ ساحِلُه

 وبعضهم  كخضراء الدّمن ظهر وجهه المنتن والكريه ولا غرابة فكلٌّ يهضم زاده!!

أصبح النّاس في هرج ومرج رأيت بأم عينيّ من يقوم بتعقيم العملات الورقية بعد أن يحصل على الباقي من المحاسب!! ورأيت من خلال برامج التواصل من يحشر نفسه داخل بالونة شفّافة ويسير على طريقة الدّحرجة!!

رأينا شاشات التلفزة كيف تحوّلت إلى مايشبه البورصة العالمية علّها تلحق بآخر الإحصاءات رأينا كيف تعامد اللّونان الأحمر والأخضر في صراع الموت والحياة!

صحيح أنّنا لابد وأن نأخذ بالأسباب  لكنّ الخوف المبالغ فيه وتهويل الأمر  أشبه بالتساهل فيه أيضاً ، وما أجمل أن يأخذ الإنسان بالأسباب في كل أحواله وليس عند الجوائح والنازلات فقط ..

أراد  حاكم عُرف بالبطش أن يقتل عالماً نصحه لكن لمكانة هذا الرجل أراد أن يتشفى بقتله وكان عنده من أنواع الوحوش الشيء الكثير، فعمد إلى أسد من الأسود ، وجوّعه ثلاثة أيام ، ثم جاء بالرجل في ميدان ليطلق عليه الأسد ويرى هو وأعوانُه كيف يفترسُ الأسدُ هذا الشيخ الضعيف، فلما جاء بالعالم إلى هذا الميدان، وعرف العالم مجيئه إليه قام يصلي، ثم وهو في حالة سجوده يأتي الأسد يدور حوله ويشمشم، وإذا به يأتي بجانبه يمد يديه، فلما سلّم الرجل أخذ بدون خوف أو هلع! ثم قالوا له: بعدما رفعتَ من السجود رأيناك تفكر ففيم كنت تفكر؟! 

 قال: والله كنت أفكر هل لعاب الأسد طاهر أم نجس فيفسد عليّ صلاتي؟!

نعم لقد ثبت في هذا الامتحان العلماء الربّانيون  والحكماء  وورثة الأنبياء  ولكّن الغبار انقشع عن بعض النكرات الذين تقدّموا الرّكب وهم خارج القافلة فليسوا كلاباً تَحرس ولا ذئاباً تَهرش! 

  بل إنهم استمروا في التّهريج  وهذا يدلّ على كساد بضاعتهم  لأنّها منتهية قبل أن تُسوّق...

وكما يُقال تخرج المنحُ من المحن!

ففي أوروبا مثلاً المريض يموت على أبواب المستشفيات إن لم يدفع مستحقات التأمين.

وفي أمريكا يُترك كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة بدون علاج! حتى في الأمراض هنالك طبقيّة!!

 نسمع بأنّ بريطانيا هي الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس لكنّ الأحداث أثبتت بأنّ بلادنا هي المملكة العظمى التي لا تغرب شمسها

(شمس الأمن ، شمس الرعاية ، شمس العطاء ، 

شمس الإنسانية)حيث يُعامل المقيم كما يُعامل المواطن!! حتى المخالف لأنظمتها شملته يدُ الإحسان!

 كم كانت دولتنا حكيمة وحانية على أبنائها..

 فتعاملت مع أبنائها في الخارج كما أنّهم في الداخل واحتضنتهم وهدّأت من روعهم وأسكنتهم بما يليق بها وبهم.

 كم كانت هذه المملكة إنسانيّة وكنّا نعلم قبل ذلك  لكنّها لا تسوّق لنفسها ولا تهتمّ بذلك كثيرا كما يفعل البعض  لأنّ أفعالها تسبق أقوالها.

وبالمناسبة هل أولئك الطغمة التي ارتمت بأحضان بعض الدول المعادية لنا وانقادت لتعليماتها حتى في نشر هذا الفيروس ..هل اكتشفت فداحة خطئها ومنهجها؟! هل لازالت في موالاتها أم أنّها حاسبت نفسها وتبيّنت  الحقيقة؟

هل عرفت وطنها الحقيقي أم لازالت في غيّها؟!

وأخيراً نتساءل بألم لأولئك العائدين من تلك الدول الحاملين للفيروس خفيةً ..ماالفرق بين مواطن يعمل جاسوساً ، ومواطن يحمل فيروساً ؟!