التداوي بالقرآن حق، ومن تداوى به كما شرع الله وكما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يغلُ ولم يبتدع، وكان محله قابلاً للعلاج القرآني، شفي بإذن الله -تبارك وتعالى- فالشفاء موجود ولكن قابلية المحل أيضاً شرط لوقوعه، غير أني أريد أن أنبه إلى ما هو أهم، لنأخذ العبرة من حالنا ومن واقعنا.
عندما عظمنا الدنيا ونسينا الآخرة، أصبحنا نحتاج القرآن لنداوي به أجسادنا، ونسعى إلى ذلك، ونبذل المال والجهد، ولكننا لا نسعى ولا نجتهد، لأن نعالج قلوبنا بالقرآن، فلو قيل لنا: إن شيخاً أو عالماً واعظاً سيعظنا الليلة بشيء من كتاب الله -تبارك وتعالى- يرقق به القلوب، ويذكرنا بالله عز وجل، ويربطنا بهذا الكتاب المهجور، كم يجتمع له؟!
كم يحضر لديه؟!
أما لو قيل إن رجلاً ما قد ظهر في منطقة نائيةٍ بعيدة يعالج الناس بالقرآن، ويخرج الجان، ويفك المسحور، وأمثال ذلك مما يتلذذ به العامة؛ لشدت إليه الرحال وضربت إليه أكباد السيارات! سبحان الله!! أليس هذا دليلاً على أنا عظمنا الدنيا ونسينا الآخرة؟!
قال الحسن البصري رحمه الله: [[إن هذا القرآن أنزل ليقرءوه وليعملوا به فجعلوا قراءته عملاً]] سبحان الله! يلوم الذين جعلوا قراءة القرآن علماً دون العمل به، فكيف بالذين جعلوا القرآن تكسباً للدنيا؟!
وكيف بالذين جعلوه فقط لعلاج أجسادهم؟!
فإذا صح الجسد وتعافى، استُخدِمَ في معصية الله -عز وجل- شُفيت العين فنظرت إلى ما حرم الله، وشفي العقل فتفكر وتأمل فيما حرم الله، وشفي اللسان فنطق بما حرم الله، هذه والله كارثة! أن يكون هذا حظنا من كتاب ربنا وإن كان العلاج به حقاً لا ريب فيه.
إخوتي في الله! إن الله تبارك وتعالى رحيم كريم ومن رحمته عز وجل أنه جعل ما يقيم حياة الناس لضروراتهم، جعله متيسراً لهم بقدر ضرورته لهم؛ فهو بقدر الحاجة أو الضرورة يكون تَيَسُّر ذلك الأمر.
فلما كان الناس بحاجة إلى الهواء لا يستطيع الإنسان أن يعيش إلا إذا تنفس الهواء جعله الله مجاناً، ولو كان الهواء يباع لاختنق أكثر الناس؛ لأنهم فقراء ولاحتكر التجار الهواء ولكن رحمة الله منعت ذلك.
وكذلك الماء؛ لأن الناس يحتاجونه ولا يستغني عنه أحد جعله الله تبارك وتعالى موفراً بين أيديهم ولله الحمد والمنة. والملح؛ لأنه لا قوام للطعام إلا به هو من أرخص ما يباع في الأسواق في كل مكان ولله الفضل وله الحكمة البالغة عز وجل.
ومن ذلك أنه لما علم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو العليم بكل شيء شدة حاجتنا إلى القرآن وضرورة تحصننا به من الشيطان وأن عدونا ماكر خبيث ممكن له فينا، ويجري منا مجرى الدم أعطانا الله عز وجل العلاج مجاناً.
فكل إنسان كل مؤمن والحمد لله يستطيع أن يقرأ المعوذتين، ويقرأ آية الكرسي، ويقرأ آخر آيتين من سورة البقرة ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة في اليوم إلى غير ذلك مجاناً، فلا تحتاج أن تذهب إلى شيخ أو تسأل عنها عالماً، ولا أن تبذل مالاً قل أم كثر.
أم تلك الرقى البدعية والقراءات الطويلة ويصحبها من الباطل أقل ما يقال فيها: أنها لم ترد مرفوعة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان أكثرها لم يعملها الصحابة أو أحد من السلف؛ بل بعضها وقد رأيناها مشتملة على شركيات وعلى توسلات بغير الله عز وجل، ويقولون: هذا قرآن هذه آية الكرسي.
لكن اقرأ ما في الأطراف تجد أرقاماً وكتابات لا معنى لها، هذه توسلات شركية، ولهذا يقولون يوم القيامة عندما يسألهم ربنا تبارك وتعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا [الأنعام:128] هذا يستمتع به بما يقدم له من شركيات، وذاك يستمتع بما يعطيه، وكأنه يظهر على يديه الكرامات أو الخوارق!
فيا إخوتي في الله، الوقاية خير من العلاج! فلنعالج قلوبنا أولاً، ونقيها الشبهات بالقرآن، ثم بعلاج أبداننا أيضاً نتخذ من هذا القرآن وقاية للحفظ من الشيطان، فنقرأ هذه الآيات الميسورة المتوفرة -والحمد لله- ونداوم على هذه الأذكار صباحاً ومساءً وقبيل النوم، كما وردت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبذلك يكون لنا الشفاء -بإذن الله تبارك وتعالى- في قلوبنا وأبداننا، أسال الله تبارك وتعالى أن يشفينا جميعاً وأن يعافينا من كل داء ظاهر وباطن إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.
جزء من محاضرة:
كيف نحيا بالقرآن !