يمر العالم بحالة من الهوان والضعف تحت مقصلة فايروس كورونا ، يقتل من يحكم قبضته على عنقه وينجو منه من ينجو. 

جائحة تعيد الإنسان للتفكير في قدرته وحجمه وكسر كبرياء رغبته على تطويع الكون لمصالحه وجشعه. وأن الطمع في احتلال المريخ بذخ معرفي في زمن العجز عن مقاومة كائن غير حي.

المفارقة بأن هذه الحرب الضروس مع هذا العدو ليس بالإصطفاف في كتل بشرية لمقاتلته ، بل الحل الوحيد هو البقاء متباعدين متفرقين لا نلتقي وكلما ابتعدنا عن بعضنا زادت فرصة الإنتصار عليه !

وكلما تباعدنا وافترقنا حاصرتنا مشاعر الوحدة  وكأنها تحاول الإصطفاف مع عدونا ،ولاشك أن الوحدة شعور خبيث لا يأمن جانبه ولا نواياه.

ولن يستطيع أحد مقاومة ألم الوحدة والتكيف معها إلا الغرباء ، غرباء المكان أو الأفكار أو الطباع فقد اعتادوا عليها واخشوشنت جلودهم لصدها ووجدوا ما يسلون به انفسهم بين كتبهم ورواياتهم وتأملاتهم وأغنياتهم. ولديهم الرصيد المعرفي لمسايسته ومعايشته بلا تذمر مفرط.

يقضي الغرباء أوقات مع أقارب ومعارف لتجزية الوقت والثرثرة معهم بدون إشباع نفسي ،  حتى يشعروا بأنهم قاموا بواجباتهم تجاه أنفسهم أولاً ثم اتجاه غيرهم. وكم هم يعانون من غربة وهم بين أقرب الناس لهم.

هذه الوحدة والعزلة أراحت أرواحهم من البقاء باجسادهم حول أشخاص يُذكِرونهم بغربتهم أكثر ، في حين هم يحاولون بالبقاء معهم الهروب منها ، فطوبى للغرباء.