انتشر المنهج التجريبي في اروبا و طغى على الدين ماحقا الكنيسة تماما ، هذه الاخيرة التي كانت و لقرون من الزمن تعد المرجع الاول في تفسير كل الظواهر الانسانية منها و العلمية و حتى الكونية . و قد برز العديد من العلماء التجريبيين الذين احدثوا ثورات في المجال العلمي ، بداية من غاليليو في القرن السابع عشر الي داروين و وصولا للعدد الهائل منهم في زمننا هذا ، و الذي يعدّ زمنهم الذهبي بامتياز. حيث اقتنع اغلب الناس اليوم في اروبا بهذا المنهج و انجروا وراءه ، و ضربوا بالدين عرض الحائط معتنقين يقينهم الجديد - لا نؤمن الا بالملموس- . و قد سطعت شمس التجريبية على العالم الاسلامي الذي يعيش فترة فتور و ضعف بعد سقوط الخلافة العثمانية ، مما افضى الى ظهور نوع جديد من العلوم الدينية تحت مسمّى (( الاعجاز العلمي في القرآن الكريم )) حيث يقول الباحثون في هذا العلم بانّ كل ما يجده التجريبيون اليوم موجود في ثنايا آيات القرآن الكريم ، مؤكدين على احتوائه و شموله على كافة العلوم . و ان عدم قدرة البشر على استخلاص هذه العلوم منه انما يعود لقصور في عقولهم . فهل يتعارض المنهج التجريبي مع الدين ؟ و العلاقة بينهما ؟
ان التعامل مع الكتب السماوية على اساس انها كتاب جغرافيا او كتاب علوم طبيعية لهو امر في منتهى السذاجة ، بل و اهانة للدين و لقداسة كلام الله عز و جل ، و لانّ الضعيف مولع بتقليد القوي ، فان بعض المسلمين يذهبون الى ليّ الآيات ( من الالتواء) و تفصيلها على مقاس نظريات علمية تجريبية ، احيانا بنية حسنة و قد تكون الاساءة المتعمدة للدين هي المقصد في احيان اخرى ، فاغلب تلك النظريات التي يحاولون تغيير معنى الايات من اجلها هي مجرد اجتهاد انساني قد تاتي نظريات في المستقبل تثبت عدم صحتها ، فكيف سيكون موقفنا في ذلك الوقت ؟
ان توسيع دلالات الآيات القرانية لتتوافق مع بعض الاكتشافات العلمية هو اساءة للدين ، و مسلك جديد يائس لاقناع الغرب بصحّة القرآن و الكلام الوارد فيه ، بالاخص المعجزات ، و التي يجد البعض صعوبة في اقناع التجريبيين بها ، في حين اننا نحطّ من قيمة القرآن هكذا ، فالاعجاز في القرآن الكريم مطلق اما العلوم الدنيوية فنسبية . كما انه لا الزام لوجود دليل على صحة المعجزات المذكورة في القرآن ، فهي في نهاية المطاف معجزة ، اي شيء يفوق القدرة البشرية ، فكيف نتوقع وجود دليل عليها ؟
لا يصلح آخر هذه الامة الا بما صلح به اولها
لقد كان علماء المسلمين قديما يبحثون في الاعجاز اللغوي في القرآن الكريم ، ذلك ان معجزة القرآن في فصاحته ، فقد كان تحديا للعرب الذين يقدّسون اللغة ، و ذلك هو الاصل . ذلك انه بحث في موضعه ، و متى ما كان الاجتهاد في غير موضعه كان ضرره اكثر بكثير من نفعه .
و مما يزيد الطين بلة هو ادّعاءات البعض ممن يسمون انفسهم بالعلماء ، و نحلهم على الغرب ما لم يقولو ، كقول البعض بانّ وكالة ناسا تقول او الجامعة الفلانية تقول ، بينما انهم لم يقولو ابدا ، فيضعون المسلمين و الاسلام في موضع شبهة قد يدفع البعض الى الابتعاد عن الدين ، و يمنع من يريد الدخول الى الدين من الدخول اليه ، فقد اعطوا اعدائنا حجّة علينا ، باحاطة ديننا الصادق بالاكاذيب و الاساطير .
ان ّ كل ما سبق يدفعنا الى التساؤل عن هوية الطرف الذي يخدمه تبدل الفكر الحر في الاسلام بالاساطير و الاسرار ، و تبدل الفعالية الاجتماعية للدين بطقوس شكلية تبعد المسلم عن جوهر الدين فيتحطم عند اول اصطدام له مع الواقع .
بين نسبية العلم التجريبي و مطلقية الاعجاز في القرآن / أمين دبة
هذه التدوينة كتبت باستخدام اكتب
منصة تدوين عربية تعتد مبدأ
البساطة
في التصميم و التدوين