الكاتب الراحل الكبير نجيب محفوظ ، قدم للعالم العربي وجبة دسمة من الأدب مصقلة ببراعة متمثلة في الثلاثية الخالدة (بين القصرين ، قصر الشوق ، السكرية) .

محفوظ جعلنا نرى الحياة بعيون الشخصيات الرئيسية خاصة شخصية الست أمينة ، التي كان مبدعًا كعادته في وضع خطوطها العريضة وتجسيد إنفعلاتها وحبها وشغفها وضيقها وبساطتها منذ السطر الأول في بين القصرين وحتى المثوى في السطر الأخير من السكرية .

أمينة جسدت الأم وزوجة الأب الحنونة للأبناء جميعهم وبمساواة قل أن تجد مثيلتها ، وكذلك الصديقة المقربة لشخصية محورية متمثلة في الطفل كمال ، وفي الوقت ذاته الزوجة المحبة المخلصة لأحمد عبد الجواد رغم تحفظاتها الجمة التي تبديها لنفسها خلسة بعيدًا عن أعين الجميع . 

في النصف الثاني من تيار الأحداث تظهر بوجه أكثر شراسة عندما تعلق الأمر بذكرى وفاة فهمي الإبن الأوسط ، ورغبة إبن زوجها ياسين في الزواج من الفتاة مريم التي أصبحت تبغضها كل البغض لأنها كسرت قلب وليدها ، قبل أن ترتدي ثوب الحموات ولكن الطيبين منهم ولسن الفاتنات وتبدأ في تقويم سلوك إبنتيها عقب الزواج خاصة خديجة .

قبل أن تخوض الفصل الأخير بهدوء واستكانة متجرعة مرارة الأحزان ، بداية من ما ألت إليه حال ابنتها عائشة عقب فقدانها لعائلتها نتيجة وباء التيفود وحتى توديع شريك الحياة أحمد عبد الجواد . أمينة هي تجسيد مُتقن إلى حد بعيد جدًا قدمه أحد أعظم الكتاب في تاريخ العالم العربي ، وتظل ذكرياتي معها كقارئ جميلة وسعيدة ودائمًا ما أسمعها  ليلًا تتلو القرآن وتتحرك لتستقبل السيد أحمد بمطلع السلم وهي تحمل الكلوب لتنير طريقه .