Image title

تأخذنا السينما بأفلامها في رحلات خيالية من خلال قصص لم نعشها .. أو ربما سنعيشها .. أو لن نعيشها .. أو  سبق أن عشنا مثيلاً لها في يوم من الأيام .. ومع ذلك نجد مايجذبنا إليها ويعلقنا بأحداثها. بعض تلك الأفلام المميزة يجسد تفاصيل الحياة بكل تعقيداتها على سبيل المثال عند تفشي وباء ( contagion, outbreak) أو انهيار اقتصاد (The Big Short)  أو عند السفر عبر المجرات (Interstellar)  وبناء المستعمرات (The Martian) أو إعادة تفريخ الديناصورات ( Jurrasic Park) أو اصطدام كوكبنا بأحد الكويكبات ( Deep Impact) والقائمة تطول ..يشارك في كتابة قصص تلك الأفلام أو يدقق تفاصيلها أو حتى يشارك في إنتاجها كوكبة من العلماء يشار إليهم بالبنان ..  فلذلك تأتي بتفاصيل دقيقة تشابه الواقع الذي قد يتحقق في يوم من الأيام ويتطابق مع أحداثها بشكل مدهش.. بل إن بعض العلماء والكتاب قد يعيش ليعاصر تلك الأحداث التي كتب عنها مثل ماحصل مع د. إيان ليبكين الذي قدم المشورة لفيلم العدوى الشهير Contagion والذي أعلن على الهواء إصابته بڤيروس كورونا وهو يجاهد لاختبار لقاح للوقاية منه في معامل جامعة كولومبيا النيويوركية العريقة.

محاكاة تلك الأعمال الفنية لسيناريوهات قد تمر بها البشرية في مسيرتها الكونية تضفي عليها أهمية كبرى لما تشكله من فرص للتفكير في كيفية التعامل مع تلك الأحداث المفترضة حين وقوعها، حيث أن الأفلام المتميزة في غالب الأحيان تتعرض للقرارات الصعبة التي تصنع خلال أحداث الفيلم وعواقبها .. ولكن ليتمكن المشاهد من استخلاص تلك الدروس والعبر التي بذل العلماء والكتاب جهدًا في تأصيلها وأفنى الطاقم الفني والتقني وقتاً ومالاً في تجسيدها، يتطلب ذلك منه تعمقاً يتجاوز المشاهدة السطحية أو مجرد الانبهار بالمؤثرات البصرية والانشغال بالتفاصيل الجانبية - رغم أنها جزء من جمال تلك التجربة "المسلية" - وذلك تجنباً للقفز إلى الاستنتاجات التبسيطية التي تقصر الاستفادة من تجربة المشاهدة على مجرد التسلية المصحوبة باستهلاك أرطال من الفشار والمشروبات الغازية.

تختلف محاكاة السينما عن المحاكاة المبنية على النماذج الرياضية البحتة في تنوع المناظير التي تستطيع السينما أن تشملها وتعبر عنها ببراعة فائقة في قوالب بصرية وسمعية غامرة، فهي لا تقوم مثلاً باختزال حل المواقف المعقدة بقرارات مثالية أحادية الجانب، بل تغلفها  بالمشاعر المختلطة والتناقضات الواضحة والمصالح المتعارضة والعلاقات المتشابكة مما يجعل تجربة المحاكاة التي تقدمها مثرية مؤثرة .. لذلك تجد بعض مقاطع الأفلام طريقها إلى الجلسات العائلية و القاعات الدراسية والمؤتمرات العلمية لشرح بعض الظواهر العلمية والاجتماعية أو لنقاش بعض القضايا الخلافية، مما يجعلها ترسخ في الذاكرة المجتمعية ورافدًا قويًا للثقافة العالمية..مما يجعلنا نقول بأن السينما هي حقاً فن المحاكاة الفائقة.