كان كل شيء بعد في بدايته ، الروح لم تدسنها حماقات الأفعال لأننا لم نعرف كيف تُقترف الذنوب ! ، ولا حتى فُتحت الصفحة الأولى من صحائف الأعمال ، وكأنه مع مرور كل حقبة نزداد جرما وسوءاً بجهالة أو بقصد ونشطب ساعتنا القديمة من غير حساب ! وتلك أيضا لم نعشها كفاية ...
لا أريد أن أبدأ الحكاية من آخر سطر فيها كُتب بلون مغاير عندما حبس اللسان نفسه عن نطق شيء آخر وعندما جفت المياه الراكدة إلى فرعيها أنا وهو ولكن ( هو ) أين ذهب !
كنا صغارا جمعتنا أيادي الآباء الثقيلة إلى المساجد حيث عرفنا بعضنا ، ننتظر الفرائض على أبواب المنازل حتى نقفز على سور باب المساجد فليتفت أحدنا ليبحث عن الآخر ، كبرنا وأحببنا فلسطين وثمار الرمان في الأندلس ، فررنا من ضيق المنازل إلى صفحات الكتب كوسيلة للتنافس على من هو الأجدر بالحديث والانتصار لنفسه ! .
نلتقط من أهالينا كلمات وأخبار لنُحدث محكمة عاجلة بيننا على أدراج السلم المتصلة بين المنزلين لأشخاص لم ولن نراهم وليس لنا عليهم من سلطان ، هي فقط شهوة المجادلة .
التحقنا بركب حلقات القرآن وأوسعنا قطر دائرة الأصوات العالية حول الشيخ ، من منا سينهي الوِرد ، نمسك صفحات المتون لنسردها وأنا أرى نفسي من خلال عينيه ، عينٌ تشحذ همته لأني سبقته ! ، وعين لمعت لذلك الانتصار ..
وبعد ...
كأنه كان يعلم أننا سنفترق حتى قبل منتصف المسيرة كتلك القصص في الكتب التي قرأناها سويا ، أخبرني من هنا أن نفس اليد التي قادته لمكان تعارفنا هي التي ستقوده ليغادر إلى مكان آخر ! ، وبعد انقطع غصن شجرة الزيتون ومات شهيدا ! ، قرأتها مرة معه أيضا ، ولكن لم نقصد قط أن نقرأ حكاية أحد فينا ! ، صور لحظاته حفرها في قاع عقلي كي لا أنساه بسهولة ، فضل أن أحمل أنا خشبة نعشه وأن يسقط هو من درجات السلم قبلي .