"الوقوف بصدق امام الذات والانفتاح بالصدق عينه على الآخر من الحاجات الاساسية في الانسان الذي يريد ان ينمو"

منذ أن تولد وأنت تُحمل بقدر هائل من الخبرات الشخصية والآراء والمعتقدات والأفكار وكل شيء، لكن لا تتحكم -غالبًا- في معظمها، فغالب هذه الأفكار والمعتقدات هي نتاج أهم عامل في أفكارك ومعتقدات التي تحملها... ربما أدركتها الآن،  (التربية) .

يتفق علماء النفس على أن التربية وبالأخص (بيئة التربية) هي أكبر عامل في تكوين شخصية الإنسان مهما كان، وإن كنت تعتقد إني أبالغ، تعال معي أذكر بأكثر من شخص مشهور كيف قام أثر بيئة تربيته بتشكيله.

1. أرثر شوبنهار:

الفيلسوف الألماني ربما تعرفه بلقب (فيلسوف التشاؤم)، ظل متشائما طيلة حياته بسبب أثر تربية والدته عليه، كانت فظة وغليظة، بالرغم من امتلاك شوبنهاور للمال إلا أنه آثر التشاؤم بسبب تأثير تربية أمه عليه، بعد أعوام وأعوام من أقوال التشاؤم، جاء شوبنهاور أخيرًا ليعترف بالحب والتفاؤل بعدما أحب فتاة تصغره بالكثير.

2. ألفرد آدلر:

محلل نفسي شهير، ولد طفلا ضعيفا، كسيحا، وأصيب في طفولته بعدة أمراض، ودهس مرتين، وشارف على الموت عدة مرات. لاحقا درس الطب، وأسس نظريته النفسية الخاصة، ورأى أن النواة المركزية للشخصية هي الكفاح في سبيل التفوق، وإليه يعود الفضل في التأسيس السيكولوجي لما يعرف بـ”عقدة أو مركب النقص”.
هل ترى علاقة ما بين نظريته وما عاناه في حياته الخاصة؟ نعم في نظري.

صدقني الأمثلة لا تعد ولا تحصى، لذلك وبتعبير د. مصطفى محمود (بداية التغيير هي مغالبة للطبع وكبح لنوازع الفشل والاستسلام وهبدة روحية، ثورة على المألوف وأن يجازف بالهجرة لأماكن مجهولة)، وعلى هذا ينبغي عليك إعادة انتاج نفسه من جديد، يفتش في رواسب تربيته وكلام الناس عنه ونظرته لنفسه ونظرة الناس له حتى يعيد بناء ذاك الصنم الذي بناه غيره.

والحقيقة أني أظن أن أي شخص لا ينظر في فكره ولا شخصيته ولا آراءه ولا نفسه ولا علاقته بربه هو (يدفع دفعًا بفعل عوامل تربيته، لا بفعله الشخصي في حياته، فقدرة الشخص على العيش اسهل بكثير من قدرته على الحياة، لأن قيمة الحياة في أن تحيا أنت بعاملك الروحي والنفسي والجسدي أما أن تعيش فهذا بجانبك الجسدي فقط).

ما المشكلة؟

"الانسان الذي يدفع دفعًا لفعل شيء ما قد أضاع الكثير"

المشكلة عزيزي أنك ستظل بأفكار غيرك، بمعتقدات غيرك، حتى طريقة عبادتك لربك ليست منك بل من الآخرين، والمشكلة كذلك في أن النضج لا يأتي لمن لا ينظر في قرارة نفسه، لأن في كل منا تناقضات تتجاذبه في نفسه، فهناك ما يدفع بنا نحو النمو، وهنالك ما يشد بنا إلى الوراء وهذه القشور عادة تدفع بك إلى الوراء، لكن المؤسف أن تلك القشور ليست مثل القوس الذي ينجذب للوراء ليدفع بشدة بل تلك التي تجذبك للوراء فقط.

المشكلة الكبرى تكمن في معنيين (الركود والانكفاء) وكلاهما قصور ينتج بفعل التربية

1. الركود كناية عن توقف في النمو العاطفي. وهو يعود في الغالب إلى نوع من العلاقة المبنية على الإفراط في الاتكالية أو المبالغة في الحياة، فيصبح الآخر، في كلا الحالتين، مصدر التفكير والقرار

2.الانكفاء، فهو يشكل عودة إلى مستوى أدنى من التطور، إنه تراجع نحو الماضي، وهو في الغالب، عودة إلى إحدى نقاط الركود.

كيف يأتي النضج؟

سأخبرك حتمًا، لكن إن كنت تود نضجًا دون تجارب، دون تأمل لأوقات مقتطعة من يومك، دون نظر لفترات، دون بحث حقيقي وتمحيص لتجاربك، دون آراء الآخرين فلا تكمل المقال صدقني لن تجد ما يسرك

(يجب أن تُحطم الآلآم قشوركم)

النضج الأدبي:

ما يميز الإنسان الناضج أدبيًا، اندفاعه في سبيل تحقيق المثل الأدبية والتزامه الشخصي بها. فالسلوك الأخلاقي عند الطفل عفوي؛ إنه سلوك أهله ومن هم من حوله وإذ يتابع المرء مسيرته في طريق النضج، تتخذ المثل عنده أبعادًا أكثر عمقًا وواقعية وثباتًا يكون لنفسه مثلاً تطغى فيها محبة الآخرين على محبة الذات.

النضج العقلي:

يتميز النضج العقلي في القدرة على تكوين تفكير شخصي، مستقل، مقرون بالاحترام لآراء الآخرين. ويتميز أيضًا في القدرة على اتخاذ القرارات الخاصة، باستقلالية وحزم، مع احترام الوقائع وآراء الآخرين . والشخص الذي يتحلى بالنضج العقلي يبقى على استعداد أن يغير في رأيه ، ويبدل في مخططاته ، إذا ما بدا له ذلك حكياً في ضوء معطيات جديدة ومهمة. له تفكيره الشخصي، وقراراته المستقلة وهو يتحمل مسؤوليتها. وهو دائما على استعداد لتحمل المسؤولية والإقرار بالحقيقة ولو كانت مؤلمة. وهو جدي متطلب من ذاته . المشاكل لا تقلقه بقدر ما تدفع به إلى تحليلها واستعراض الخيارات واتخاذ القرار وتنفيذه والالتزام بكل ما ينتج عن ذلك .

النضج العاطفي:

يتميز النضج العاطفي بقدرة الإنسان على تقبل عواطفه والسيطرة عليها. فالشخص الذي يتمتع بالنضج العاطفي يستطيع أن يتخطى أوضاعًا عاطفية صعبة، من دون أن يتعثر يتقبل الانتقاد بهدوء وصفاء، يواجه الأمور الصعبة ولا يتهرب من القيام بما قد يزعج. وهو أخيرًا متحرر من القلق والصبيانية، : الشخص الراديكالي، الذي يريد أن يقلب الدنيا كلها رأسًا على عقب، ومثله الإنسان «المحافظ » الذي يرفض أية مخاطرة ويريد أن يبقي كل شيء على حاله، يعمل كل منها ضد التغيير، وكلاها يفتقر إلى النضج العاطفي، «الراديكالي » شخص حاول أن يتمرد دون أن يتمكن تخطي موقف التمرد هذا. و «المحافظ » انتقى السير في طريق اختطها الآخرون له، من دون أن يشق لنفسه في الحياة طريقًا جديدة.

النضج الاجتماعي:

يتميز، بالقدرة على الانفتاح على الآخرين والاتصال بهم يحاول أن يتعايش مع متطلبات المجتمع، ولا يتردد في التعاطي بإيجابية مع متطلبات جماعته الجديدة وتطلعاتها. إنه يرى في العمل فائدة ولذة، ويعرف كيف يتخطى ما هو ممل فيه.

وأخيرًا، رحلة النضج مؤلمة، ستجدد ما فيك، لكن لا أظن أن اليرقة كانت تظن يومًا أنها سترفرف بجناحيها، ولا أظن كذلك أن بذور (شجر) البامبو التي تظل قرابة ال5 سنوات دون نمو تام، تخيل خمس سنوات دون أي دليل على أي نمو وإذ فجأة شيء ينمو بالأمتار، تمهل تمهل.

"إن الأشياء العظيمة تأتي نتيجة سلسلة من الأشياء الصغيرة التي تحدث معًا"

المراجع:

  1. 1. الهشاشة النفسية - د. إسماعيل عرفة
  2. 2. رحلة من الذات إلى الموضوع - د. عبدالله الوهيبي
  3. 3. بين الحب والألم - مجموعة مؤلفين
  4. 4. المجموعة الكاملة - جبران خليل جبران
  5. 5. ساعة إدارة - د. أحمد خليل خيرالله