الساعة الخامسه فجراً ، كان على سالم ان يذهب الى المحطه ، محطة القطار التي اُفتحتت للتو، لكي يستقبل عمه مازن ، عمه الذي ظهر فجأه ، لقد طال غيابه ربما لأكثر من عشر سنوات ، كان غائباً عن العائله ، غياب الذي رحل و كان لاينوي العودة ، غياب الذي تحطم أملهُ في كل شيء، ولم يعد هناك حاجة للعودة ، كان مازن شديد الغلظه ، ربما ذو طبعٌ غليظ لكنه صاحب واجب لايتأخر حينما يحتاجه أحد ، لقد حاكته الحياة بالقسوة ، بقسوة شديده مؤلمه ، غير أبهه!
عندما كان صغيراً فقد امه في حادثة طلاق ، ظل لايراها لعدة شهور ، عاش مع زوجة ابيه ، بنات خاله اليتميات ، وبعض القرابه الذين يسكنون الحاره بالقرب من بيت عائلته، نشأ بكثير من الاهمال ، بكثير من التوبيخ ، بكثير من البكاء عند النوم ، كان يبكي لانه يفتقد امه ، ويبكي لانه وحيد بين هولاء ، و يبكي لأن أحدهم وبخه في النهار ، و يبكي لأنه اعتاد ان يبكي بدلا من ان تحكى له حكاية قبل النوم ، كان يبكي ، و كان البكاء يغسل روحه من كل الترسبات ، ليحوله الى قسوة متعمده ، قوة غليظه ، جراءه لا تابه بأحد، هكذا نشأ مازن .. الرجل الستيني، الذي تشعر بالحياء حينما تراه ، وربما تشعر بالخوف او الهيبه عند حضوره ، من بعيد اتسائل، ماذا لو نشأ في بيئه اخرى؟ في بيت اخر ؟ على ماذا سأ يستند ؟ الغلظه ام القسوه، الهروب الدائم الذي يطوق حياته، ام الاستقرار و العيش بحنان و رأفه.
يبدؤ ان مازن يظهر بلحية بيضاء تكسي وجهه بخفة ، عنياه المنتبه ، سرعته بالحديث و المشي، عدم الترويء الواضح على محياه ، القسوه في حضوره ، كل ذلك امر اكتسبه من الغربه، و الغربه تحكي عبره كيف تكون.
لماذا عاد ؟ .. كان الجميع يتسائل في اول الامر، لكنه كان يعاني من التهاب ألم به من التدخين الشره الذي يتعاطاه ، كان واضحاً انه يفتقد من يراعاه ، لذا قرر العوده ، و لكن بعد هذا الغياب من سيستقبله؟