Image title
الأدب وإدارة الأزمات Literature And Crisis Managementبقلم د. طــارق رضـــوان

لا مقام للفيلسوف دون مدينة ولا تعمر مدينة تجبر فيلسوفها على مغادرتها ولا يكون التفلسف الحق سوى تمدينا حقيقيا ولا يصل الناس إلى رتبة المدنية إلا بالعقل الفلسفي وإذا غاب تعطل منحى الإقامة في العالم.

فليس من وظيفة الأدب إرضاء مجتمع بعينه، بالعكس، هذا ما يؤكده الروائي شاكر الانباري قائلا " الأدب هو رسالة جمالية أخلاقية فاعلة، إذ عادة ما يوقظ الأدب التساؤلات والشكوك، ويهز سبات المجتمعات وركودها. ومن المعروف أن الأدب لا يجيب على التساؤلات والشكوك والهواجس والتمردات مباشرة، لكنه يدفع المتلقي إلى البحث عن أجوبة وسبل جديدة، فيوقظ الحس العقلاني والمنطقي لدى المتلقي. من الصعب فصل الأدب عن وظيفته الاجتماعية، وعن مسؤوليته العضوية في تحفيز الوعي، وحتى في القيادة كما يرى غرامشي، فالجمال يكتسب قوته التواصلية من خلال الخطاب، ومن خلال التواصل، والتفاعل، وحتى في إثارة الاسئلة التي تخص الوعي والوجود.

 من هذا المنطلق تبدو مسؤولية الأديب الفيلسوف كبيرة في المدينة حول مهام الانتقال من الانحلال إلى إعادة البناء ومن الفوات والتأخر إلى اللحاق والتدارك وحول الأدوار التي يجب أن يقوم بها في الوساطة بين الأقطاب المتعارضة وفي رأب الصدع بين الذات والعالم وتخطي وضع الهشاشة وفشل العدالة ومفارقات السياسي.

" الأزمة ليست حادثًا طارئًا، ناهيك عن مرض حديث: لقد عرفت البشرية منذ التشكل الأول العديد من الأزمات وأوجدت الوسائل اللازمة لحلها تصديقا لقول ماركس بأن الإنسانية لا تطرح مشاكل لا تكون قادرة على حلها وبالنظر إلى العقل يجد لكل سؤال جوابا ولكل مرض دواء ولكل آفة علاجا ولكن الأزمة الحديثة التي طوقت الوضع البشري طالت واستحكمت ولم يجد الإنسان المعاصر لها مخرجا وتسببت في ظهور العدمية واللاأدرية والانحطاط والحيرة القيمية والفراغ الأكسيولوجي ودفعت بالناس إلى التحرك في الممكن وقبول بالواقعية والبحث عن بدائل مؤقتة.

بعبارة أخرى نحن لا نعيش أزمة لأول مرة في التاريخ، فالوجود البشري شهد ظهور الكثير من الأزمات ولكن ما نعيشه في الزمن الحاضر هي أزمة شاملة لا نظير لها في السابق لأنها تظهر أزمة دائمة ونهائية.

اللافت للنظر أن الأزمة عامة ومعولمة من جهة وتشمل جميع القطاعات بشكل خصوصي من جهة مقابلة ويضع لها بول ريكور ثلاث أسباب:

1- أن مصطلح الأزمة مزروع في الجسد البشري بطرق متنوعة ومبهمة بما أنه يشمل القيم والوعي والحضارة ويمس المؤسسات والجمعيات والوزارات والأحزاب والمرافق العمومية والخاصة.

2- مرت الأزمة بسرعة من الطابع الجهوي والقطاعي والخصوصي إلى الطابع العام والشمولي والكلي واخترقت بصورة تامة الظاهرة الاجتماعية وبرز ذلك في مستوى تمثل المجتمع لنفسه.

3- أزمة الحداثة لم تعد تشير إلى ظاهرة من بين ظواهر أخرى وإنما صارت ترمز إلى حقبة كاملة ومساءلة جذرية للحاضر واستشكال للراهن بسبب الصراعات التي تخترقه والتي يتعذر حلها.

لقد ترتب عن اشتداد الأزمة تزايد المشاحنات الإيديولوجية وبروز تمثلات عقيمة للمجتمع وغياب التقدير للأفكار القيمية وتزايد الاهتمام بالقيم المعولمة التي تدور في فلك المنفعة والإجراء والربح ومتعة الاستهلاك وتكاثر المشاكل في المجالات التي كانت مستقرة وتفاقم النزاع في الحقول التي كانت هادئة.

تكمن مهمة الأديب الفيلسوف في التحول إلى مهندس معماري يتقن فنون التخطيط والتصميم والتعمير والإسكان وينفتح على الوظائف العلاجية للأزمات والأدوار الجراحية للزوائد ويقوم بتنظيم علاقتها بالعالم.

إذا كان الأيتوس القديم أصبح غير جدير بالسكنى ولا يصلح للعناية بالذات وتدبير المصالح العامة ويثير الاشمئزاز ويبعث على الغثيان والتمرد والعصيان فإن المطلوب من الفيلسوف هدمه وإقامة أيتوس مغاير. إن الانتقال من لحظة المدينة الشمولية إلى لحظة العالم الديمقراطي يقتضي مد جسور التواصل بين الفرقاء  وترك الخلاف والتباغض والتكاتف على تأمين مصالح الناس والارتقاء بهم نحو مرتبة المشاركة الفعالة في الشأن العام والانخراط في العمل البناء والإنتاج المولد للتنمية والثروة.

من الطبيعي أن يتبوأ الأديب الفيلسوف مكانة هامة في المدينة وأن يكون ضمن القيادة الثورية ولا يقتصر دوره على التغريد خارج السرب والبقاء في حالة استنفار دائم ولا يتورط في مواقف مرتجلة.

تعدّ إدارة الأزمات السياسية على الصعيد الدبلوماسي خليطاً بين المعرفة والفن والموهبة والتفكير الإبداعي، والتنسيق والتعاون بين فرق العمل التي تعمل بمبدأ التكاملية، وهي فرق تعمل ولا تنتظر حدوث الأزمة بل تتعامل مع احتمالية حدوثها أو جذورها قبل أن تقع، وإنْ وقعت تكون جميع إجراءات التخفيف قد اتخذت لامتصاص الأزمة وحلها في أسرع وقت ممكن بأقل جهد وتكلفة، وقد تخلق أزمة لحل أزمة أخرى أو تحويل مسار قوة الأزمة لاتجاه معاكس.

وتعرف الصحافة البناءة بأنها الأخبار التي تعمل على تحسين المجتمع وتشجيع المواطنين على أن يكونوا أكثر تفاؤلًا تجاه بيئتهم (Gyldensted, 2011)، كما أنها تزيد مستوى مشاركة الجمهور (McIntyre & Sobel, 2014)، بالإضافة إلى تقديم تقارير متوازنة، التي هي مرة أخرى إحدى الوظائف الأساسية للصحافة.

تبرز أهمية اتصالات وإعلام الأزمة من اللحظة الأولى لوقوع الأزمة، ويجب أن تعطي المنظمة اهتماما كبيرا وأولوية للتأكيد من أن لكادرها الإعلامي دورا واضحا وفاعلا في إيصال أخبار الأزمة إلى الفئات المستهدفة المختلفة.

في كثير من أنواع الأزمات تنتشر شائعة أو أكثر،وهذه الشائعات تؤدي إلى تفاقم الأوضاع، وهنا يبرز دور اتصالات الأزمة في مواجهة هذه الشائعات والتصدي لها ولأخطارها.والشائعة سلوك اجتماعي، ولا يخلو مجتمع من هذا السلوك. وتجد الشائعات طريقها إلى الانتشار في ظل الأزمات، إذ أن ظروف الأزمات تشكل أرضية خصبة لنشؤ الشائعات وانتشارها.

إن مواجهة الشائعات والتصدي لها الأسس التي ينبغي أن يعتمدها هذا الفريق في التعامل مع الأزمات، وأهم هذه الأسس ما يأتي:

- الاستعانة بأهل العلم والخبرة لصياغة الخطط المدروسة التي تكافح الشائعات من جذورها.

- كسب ثقة أصحاب المصالح (داخل المنظمة وخارجها).

- الالتزام بالشفافية العالية في عرض الحقائق، إذ أن هذه الشفافية سوف تقطع الطريق أمام مروجي الشائعات.

حيث تزداد أهمية وسائل الإعلام ويقع على عاتقها دور كبير وقت الأزمات؛ لما لها من قدرات هائلة على التأثير في سلوكيات الجمهور٬ ولما لها من مسئولية مجتمعية في توعية الجمهور وإرشاده. ويعتقد الكثير من العلماء أن الصحافة البناءة هي أداة لزيادة مشاركة الجمهور، مع الحفاظ على الوظائف الأساسية للصحافة.

يقول شومان إن معظم وسائل الإعلام ما زالت غير قادرة على تقديم نموذج إعلامي مهني يهدف إلى الخدمة العامة، فهناك بعض المنصات التي تتجنب الحديث عن أية سلبيات اعتقادًا أن المرحلة الحالية لا تحتمل أية انتقادات، والبعض الآخر يهتم فقط بالسلبيات متجنبًا أية إنجازات؛ لأن اهتمامه الوحيد هو زيادة عدد المعلنين والإيرادات (Shuman, 2015).

وهنا يبرز دور الصحافة الإيجابية في فترات الأزمات في سبيل نقل الرسائل الإيجابية التي ترفع معنويات المواطنين وتقلل سوداوية المشهد، وتقلص الدوافع السلبية لديهم لاتخاذ القرارات ذات الطابع التشاؤمي.