إن الظاهرة الأكثر غرابة فى مصر والتى بدأت معها حالة من التشظى والتفتت وتشتيت القوى وصرفها عن القيام بدورها المنوط بها لرفعة هذا الوطن ورقيه هى ما يعبر عنها هذا السؤال : هل بدأنا نفقد ولو جزءا صغيرا من وطنيتنا ؟ ، أما مبعث التساؤل فهو إحساس الناس بالفعل بانحسار موجة الشعور الوطنى الجارف خاصة بعد ثورة يناير المجيدة وما تلاها من أحداث ،أدت للبعض للاتجاه بأقصى اليمين والبعض الآخر آثر أن يتجه يسارا وفريق ثالث فضل أن ينتظر ليرى وفريق رابع لايعبأ بكل هؤلاء ، وفى زخم هذا الحراك الملئ بالصراعات الحزبية ودعاوى التخوين فقدنا الشباب والذين بدورهم فقدوا كل أحلامهم بعد أن تحول حلمهم الوردى إلى كابوس فقرروا الهرب من بلدهم إلى وطن آخر جغرافى أو خيالى.

وبعيدا عن إلقاء الاتهامات عن المسئول عن ما صرنا إليه ، ننظر للقضية من زاوية أخرى ما مفهوم المعارضة فى مصر ؟ ولكى ندخل هذه المنطقة الشائكة دعونا نرتكز على محورين هما الأساس فى التنظير السياسى والفكرى للحالة المصرية الفريدة

1- التخوين : التخوين فى مصر تهمة جاهزة مصبوبة فى قالب إعلامى ثابت تستخدمه جميع الأنظمة على الإطلاق لتشويه معارضيها ونزع صفة الوطنية عنهم ، وتستخدمه الأحزاب المعارضة أيضا ضد النظام الحاكم لمجرد الاختلاف معه أى أن التخوين فى مصر هو السلعة الأكثر رواجا.

2- الشماتة فى الوطن : الحديث عن الوطنية فى مصر قد يكون أحيانا كلام مرسل بلا مردود فعلى على أرض الواقع ومطية لكل من يجيد فن الخطابة ما يؤدى إلى زيادة الفجوة بين الفرقاء وابتعاد المواطن البسيط عن كل هذا لافتقاده المصداقية فيما يسمع ، وينتج عن معضلة الوطنية والتخوين كارثة هى الأكبر والأكثر إيلاما الا وهى الشماتة فى الوطن ! ، ففى غمرة هذا الصراع المحموم ودعاوى الإقصاء والتخوين والاتهامات المتبادلة بين الجميع وتمنى فشل القائمين على السلطة حتى لو أدى ذلك إلى انهيار الوطن كله وغرق السفينة بكل من فيها، و نسينا جميعا أن النظام الحاكم – أيا كان – لا يعبر بالضرورة عن الوطن المصرى وأن السلطة راحلة والوطن باقى لكنا وجدنا من يسعد بأية كارثة قومية شماتة فى الحاكم وتشفيا منه، ناسيا أو متناسيا أن الجرح النازف فى جسد مصر أولا. إن هاتين الركيزتين هما أساس الفجوة التى تتسع يوما بعد آخر وتعكس صورة حية وحقيقة صادمة مفادها انعدام الوعى السياسى عند الجميع بلا استثناء؛ الاحزاب والنظام والمثقفون والنخبة ، فالطبيعى لدى كل إنسان يحب وطنه بحق أن يسعد لرقى هذا الوطن فى كل مجالاته دون أن يربط هذا النجاح ولو ذهنيا بنظام حاكم بعينه أو بموقفه من هذا النظام. وهكذا فى لحظات تذوب شعارات الوطنية وأغنياتها العذاب أمام الشماتة فى وطن يحترق بأيدى أبنائه ، فقط لأنهم لا يعرفون كيف يختلفون.