توفي في 26 صفر 1392هـ عمر عبدالله الشريهي([1])
عمر بن عبد الله بن مطلق الشريهي من الشراها هم وآل ماضي أسرة واحدة يقال لهم آل مطلق من ذوي ناصر من المقاحصة من الروسان , ولد في الدوادمي بعالية نجد عام 1318 هـ وقيل قبل ذلك وهو المُثبَت في الوثائق الرسمية له, انتقل مع أهله لشقراء في طفولته حيث أخواله فنشأ بها ودرس في كُتّابها فأتقن القراءة والكتابة وحفظ أجزاءً من القرآن الكريم وتعلم مبادئ العلم فيها, وكان والده عبد الله بن مطلق له علاقة قديمة بشقراء وأهلها تجمعه بهم وشيجة الرحم والمصاهرة تزوج فيها بـ طريفة بنت عمر آل جلاّل من بني زيد, وهي أم أولاده فأنجبت له عمرا هذا - فسمي باسم جده لأمه - وبقية إخوته وهم محمد عاش معظم حياته في البحرين وتوفي بمكة المكرمة، وإبراهيم انتقل من شقراء آخر عمره وتوفي في الدوادمي وعبد الرحمن مات شابا صغيرا .
وكان عبدالله الشريهي - والد عمر- جوّاب آفاق يسافر للبيع والشراء وجلب البضائع في المواسم لمكة والمدينة وغيرها إلى أن قدّر الله عليه في الثلاثينيات الهجرية أن يموت مقتولا على يد قطاع الطريق وقتل معه من أهل شقراء رجل من آل جلال وكانوا في قافلة قادمة من العراق لهم فيها بضائع يريدون بيعها في المدينة فكان قدرهم أن تكون نهايتهم هناك في الطريق إلى المدينة قريبا منها فأخذت القافلة وقتل من قتل غفر الله لهم.
زاول الشريهي ــــ رحمه الله ـــ البيع والشراء في شقراء أول شبابة ثم رحل الى الحجاز وسكن مكة المكرمة وتزوج فيها زوجته الأولى (من السراحين) فأنجبت له ولدين توفيا صغارا ، ثم طلقها. وال سرحان من أبناء عمه القريبين من الروسان من المراوحة من عتيبة ومنهم أهل المعابدة ـــ حي من أحياء مكة المعروفة ــــ منهم الشاعر والاديب المعروف حسين السرحان ،
كان الشريهي عصاميا صاحب همّة عالية ونظرة ثاقبة واستشراف للمستقبل .عمل مع شريك له في محل قريب من الحرم وهو أول عمل تجاري مارسه هناك مكث فيه مدة إلى أن تحصل على رأس مال من عمله وكدحه ثم عاد لشقراء وعمل في التجارة والبيع والشراء وكانت تحتضن سوقا رائجا وحركة تجارية نشطة, يعتبر من أهم الأسواق التجارية في نجد آنذاك ، وفيها الكثير من التجار المعاصرين له من أمثال عبدالعزيز آل عبدالكريم وصالح ال شريم (جريّد) وعبدالله وعبدالرحمن الجميح وابن ربيعة ومحمد بن علي الصبيّ (الأشرم) وابراهيم بن عبدالكريم (سبتي) وعمر وصالح آل مقرن وتجار من آل جاسر وال مانع وال بيز وال سدحان وال عيسى وال ابابطين وال نافع وغيرهم , وله علاقة بالكثير منهم في شقراء وبغيرهم من تجار الرياض والقصيم وخاصة عنيزة وبريدة وبعض تجار الاحساء له مع بعضهم مراسلات تجارية كثيرة اطلعت على بعضها خاصة مع إبراهيم بن صالح المهنا في الاحساء له به علاقة قوية وبينهما مراسلات كثيرة وفيها عن البيع والشراء وحركة السوق والأسعار تكشف جانبا مهما من جوانب الحياة الاقتصادية والتجارية في الأربعينيّات والخمسينيّات الهجرية وما بعدها. وأما علاقته بتجار الحجاز فكانت علاقة قوية حيث القرب والجوار له مع الكثير منهم في مكة وجدة والمدينة مراسلات وتعامل تجاري كبير.
واشتهرـــ رحمه الله ـــ عند الجميع بصدق المعاملة والوفاء وأداء الحقوق , وله مع أهل شقراء علاقة خاصة ومنزلة مرموقة توطدت بعد أن تزوج فيها بـ حصة بنت عبدالكريم ال صالح من بني زيد وبقي في شقراء عدة سنوات يعمل في التجارة فكان له حضوره ومكانته عندهم , ثم سمت به نفسه وارتقت به همته فانتقل إلى مكة المكرمة أم القرى مقصد الناس ومهوى الأفئدة , قرّر رحمه الله الانتقال إليها بعد أن كوّن أسرة وبيتا صالحا فصحبته زوجته إلى مكة وتركت أهلها وعشيرتها وانتقلت إلى هناك فقامت بما يجب عليها من حق الزوج ورعاية الأبناء وتدبير البيت وصبرت على فراق الأهل والأقارب والبلاد فعوضها الله عز وجل زوجا صالحا وذرية طيبة وبلدا مباركا تضاعف فيه الأعمال الصالحات والصلاة فية عن مائة ألف صلاة , وكانت امرأة صالحة بقيت في مكة بعد وفاة زوجها ثمان عشرة سنة و توفيت عام 1410هـ .
سكن رحمه الله شعب عامر ـــ بمكة شرفها الله ـــ في دار فسيحة على أربع جهات وهو في الأصل عبارة عن بيتين كبيرين , ثم انتقل إلى بيته الآخر في الجودريّة في سوق المُدّعى قريبا من بازان التمارة وكان بناؤه قديم فأعاده وجعله ستة أدوار على النمط المكي القديم وعاش فيه إلى آخر حياته. بقيت هذه الدور إلى أن نزعت ملكيتها وهدمت لصالح توسعة الحرم الشريف وكان بيته مفتوحا للزائرين من شقراء ونجدعامة يضع عنده من يأتيه متاعه وحوائجه فيجد الجميع عنده من الإكرام وحسن اللقاء والبشاشة وبذل المعروف ماينسيهم مشقة الطريق وعناء السفر .
عمل رحمه الله في محل تجاري يملكه في المدّعى قرب الحرم لبيع الأقمشة والسجاد وغيرها وعمل مستثمرا في التجارة والعقارات وبناء المساكن والمحلات وتأجيرها في مكة وجدة والطائف. ثم عمل في شراكة مع تجار آخرين كعبد العزيز الكعكي (رجل الأعمال المعروف) في استثمارات متعددة وبناء وحدات سكنية بالطائف وبيع وشراء العملات الأجنبية وسبائك الذهب. وله علاقة تجارية برجل الأعمال محمد بن لادن وخاصة أثناء تنفيذ الطريق بين مكة و جدة . ومع تجار آخرين في مجالات مختلفة في الحجاز وغيرها وعمل في الاستثمار في أسهم العديد من الشركات ويمتلك حصة كبيرة آنذاك في شركة كهرباء الغربية (شركة الجفالي سابقا).
وللشيخ عمر الشريهي رحمه الله أعمال خيرية في مكة المكرمة والطائف والدوادمي والوشم وغيرها وقد تكفل رحمه الله بحملة حج خيرية في السبعينيات الهجرية وما بعدها في كل عام على نفقته الخاصة لمن لم يحج من فقراء الدوادمي وماحولها يتكفل بجميع ما يلزمهم من نقل وسكن وضيافة ونحوها إلى أن يرجعوا إلى أهلهم . وله مبرة سنوية لفقراء تلك المناطق في كل سنة يرسل ثلاث سيارات من نوع (ماك) محملة بالاغذية واللباس والكساء ونحوه توزع على الفقراء في عالية نجد والوشم والقصيم . وله في شقراء إسهام ومشاركة في بناء وتوسعة الجامع الكبير في البلد آنذاك عام 1355هـ وله البئر المعروفة ب (الشريهيّة) وكانت جنوب الجامع يرد عليها الناس وهي واحدة من أشهر المساقي والاسبلة الموقوفة على جامع شقراء القديم آنذاك وقد أزيلت في التوسعة عام 1386هـ وأصبحت في الشارع الواقع جنوبي الجامع ولم يعد لها أثر اليوم .
كان رحمه الله بعد استقراره في الحجاز يشتو بمكة ويصيّف بالطائف وله به دار رحب ومجلس عامر يرتاده فيه بعض أصدقائه ومحبيه في فترة الضُحى من كل يوم عدا يوم الجمعة . وكان بيته في وسط الطائف القديم بحي(حارة أسفل) قريبا من سوق البلد ومسجد الهادي. وشمال بيته يقع خان الملطاني وهو خان عثماني يحتوي على دكاكين من صفين متقابلين وسقف الخان على هيئة عقود حجرية ذات طراز معماري جميل . وكانت داره فسيحة كثيرة المنازل من ثلاثة أدوار لها باب ضخم من الخشب المشغول وله رواشن ومشربيات خشبية جميلة كبقية منازل الحجاز القديمة .
كان رحمه الله على دراية بالأحداث متابع لأخبار العالم عبر المذياع و يقتني من الصحف والمجلات ماكان متاحا ويصلهم ، وكانت جريدة القبلة التي تصدر في مكة المكرمة عنده في المجلس بمنزله القريب من الحرم المكي ، وكان يهتم بها ويضعها في مجلدات يحتفظ بها ويعتني بالوثائق والكتب وبعض الصحف والمجلات المصرية القديمة لاحتوائها على جزء هام من تاريخ وأحداث له بها شغف واهتمام. وكان يحب مصر ويقضي بها كل عام قرابة الشهر بأوائل الصيف في وادي النيل وله بها أصدقاء منهم الطبيب عباس كرارة له به معرفة قديمة وعلاقة وثيقة أثناء وجوده بمكة.
كان رحمه الله صاحب عبادة كثير الذكر والصلاة وقراءة القرآن والجلوس في المسجد رحمه الله وله مكان معروف في الحرم الشريف من يريده من أقاربه أو أصدقائه أو غيرهم يجده فيه وعادة يجلس بين المغرب والعشاء من كل يوم ، وفي الطائف له مكان معروف بالصف الأول في مسجد (جامع) الهادي في وسط سوق الطائف.
توفي رحمه الله في يوم 26 من شهر صفر لعام 1392 هـ في مكة المكرمة وصلي عليه في الحرم الشريف ودفن بها. وله من زوجته حصة الصالح ابنه الوحيد محمد وثلاث بنات . ومحمد بن عمر هذا توفي رحمه عام 1406هـ وله من البنات ثلاث و من الأبناء عمر ومنصور رجلي أعمال ولهم في مكة ذكر وحال حسن ولهم شركة خاصة بهم بالإضافة لأعمال تجارية مستقلة لكل منهما في مكة وجدة والرياض ولهم أبناء وذرية وفقهم الله وبارك فيهم ورحم الله آبائهم وغفر لنا ولهم .
([1])- صحيفة شقراء .