على الرغم من حساسية الدولة السورية واهمية موقعها في الشرق الاوسط , وتعقيداتها الاثنية والعرقية , واتسام شعبها بالعقلية الفوضوية – كما جاء في الكثير من الدراسات السياسية الغربية - ؛ وقربها من الكيان الصهيوني , استطاع الرئيس حافظ الاسد ومنذ تولي الحكم عام 1970 , من تحقيق اهدافه السياسية والنأي بالدولة السورية عن المخاطر المحدقة بها , وقد عرف حافظ الاسد بالحنكة السياسية والتخطيط الاستراتيجي والوعي بالأوضاع السياسية ومعرفة مجريات الاحداث والتكهن بتداعياته ومخرجاته ؛ وطالما حظي الرئيس حافظ الاسد بالتقدير من قبل قادة وساسة الغرب ؛ ولم يُعرف من قبل لرئيس دولة أو أمير أو ملك في الشرق الأوسط أن حظي بمثل هذا التقدير ؛  بخلاف النظرة العامة لحافظ الأسد، التي تُظهره على الدوام كعدو للغرب وقائد للممانعة والمقاومة ؛  اذ من النادر أن تجد رجال دولة أو مسؤولين أوروبيين أو أمريكان لم يكيلوا له المديح، فضلا عن الساسة والكتاب العرب , و لا غرو في ذلك , فقد مر حافظ الاسد بتجارب عديدة , مما اكسبته حكمة و واقعية وديبلوماسية وبرجماتية وقدرة على المناورات والمباحثات والمفاوضات السياسية , لذلك شاع بين الغرب ان حافظ الاسد هو الأفضل من بين من يمكن التعامل معهم ،  وعلى الرغم من استخدامه للعنف في الداخل السوري احيانا , تفادى النقمة الغربية وردة الفعل الدولية , و لم تعكر كل السياسات الدموية للأسد في لبنان ولا عشرات الاغتيالات التي ارتكبها أتباعه هناك، صفو العلاقات الغربية بحافظ أسد إلا لماما لكنها وبكل الأحوال لم يصل إلى حد القطيعة، مع أنها لم تقتصر على السوريين المعارضين أو الفلسطينيين، وطالت شخصيات هامة وحليفة للغرب ولفرنسا تحديدا , وبالنسبة لأمريكا التي لم يكن لديمقراطيتها أي قاسم مشترك مع النظام الحاكم في سوريا، ومع ذلك اتفق الامريكان مع حافظ الاسد , واشتركت سوريا ضمن تحالف أمريكا الدولي لمهاجمة العراق عام 1991، وسار الولد على نهج ابيه ؛ فقد تعاون بشار الاسد مع الامريكان  قبل و بعد اجتياح العراق من قبل جورج بوش الابن عام 2003 اذ قامت المخابرات السورية بإرجاع المجرم الهارب عدي والمجرم قصي الى العراق وعدم استقبالهما ، وبما ان الولد على سر ابيه , قام بشار الاسد بتبديل دوره بسرعة البرق , اذ قام بتسريب مقاتلين إسلاميين وارسال عناصر مخابراتية وارهابية واجرامية الى العراق , وافتعال الصراعات الطائفية وارتكاب الجرائم المروعة , وشن العمليات العسكرية والتفجيرات والاغتيالات ضد الاغلبية والامة العراقية , ومع ذلك لم يصل بشار الى مكانة ابيه السياسية فالفرق بينهما كبير , فقد اعتقد بشار الاسد ان  مخطط الامريكان لن يتوقفوا عند اسقاط النظام البعثي في العراق بل سيطال الكثير من حكام المنطقة , ونسق مع الايرانيين والروس على افشال الاحتلال الامريكي في العراق , واتفقت ارادة الجميع على مقارعة الامريكان , وكبدوا الامريكان بواسطة المقاتلين العراقيين وغيرهم خسائر كبيرة , مما اضطر الامريكان الى تقديم بعض التنازلات الا ان الامريكان ب ( سبع ارواح ) كما يقولون ؛ وأعلنت الولايات المتحدة رسمياً انسحابها من البلاد في عام 2011 , ولكنها فتحت ابواب الجحيم في سوريا في العام نفسه ؛ اذ بدأت المظاهرات والاحتجاجات والتي تطورت فيما بعد الى اغتيالات واضطرابات ونزاعات عسكرية وحروب اهلية في 15 مارس 2011 وتكالبت اغلب دول العالم على سوريا بما فيها الانظمة العربية والاقليمية باستثناء روسيا وايران وحزب الله في لبنان وفصائل المقاومة في العراق ؛ وتصدوا لأعتى هجمة عسكرية وارهابية شرسة في العالم , وبعدها وجهت الولايات المتحدة الامريكية الدواعش وجحافل الارهاب الى العراق عام 2014 ؛ ليكون دخولهم ذريعة لعودة الامريكان الى العراق وترأس التحالف الدولي لمحاربة داعش كذبا وتدليسا وزورا .

وفي هذه الاثناء كان بشار الاسد يلعب بالأوراق السياسية المتاحة , وكلما قرب الخطر منه ؛ نأى بنفسه بأعجوبة , ولديه قدرة على التكيف مع المتغيرات السياسية عجيبة , فهو كالحرباء سرعان ما يغير جلده , ان اقتضت الظروف ذلك , لذلك نراه يسارع الى التطبيع مع الانظمة العربية التي اعلنت العداء ضده وعملت على اسقاط نظامه سابقا  , بينما يلتزم الحذر والصمت اثناء المواجهات بين الصهاينة وبين حلفاءه في حزب الله وحركة حماس واستشهاد السيد حسن نصر الله , بل انه التزم بالتحذيرات الاسرائيلية اذ ضيق الخناق على حزب الله في سوريا او حد من حركته ولم يعلن الحداد عندما استشهد السيد نصر الله , بل ان البعض اتهمه بإرسال معلومات للصهاينة والامريكان حول تواجد الشخصيات العسكرية المهمة في الحرس الثوري الايراني وحزب الله وفصائل المقاومة الاخرى , فقد استشهد العديد من هؤلاء في ضربات جوية محددة ضدهم في سوريا ؛ مما اثار مخاوف الايرانيين وفصائل المقاومة منه , الا ان  بعض المحسوبين على النظام السوري من المحللين والكتاب  نفوا ذلك واتهموا عناصر من الحرس الثوري الايراني بالتجسس لصالح الامريكان والصهاينة واستشهدوا بحوادث عديدة ومنها استشهاد اسماعيل هنية وغيره في ايران وخارجها ... ؛  بالإضافة الى الضغوط الامريكية والصهيونية والغربية والتركية والعربية التي تطالبه بفك الارتباط مع ايران والتخلي عن فصائل المقاومة , بل قيل ان الروس ارادوا ذلك منه ايضا , فهو بين نارين او خيارين احلاهما مر كما يقول بعض المحللين ؛ فان استجاب للمعسكر الاول قتله العسكر الثاني , وان تماهى مع المعسكر الثاني اغتاله المعسكر الاول , ولكي ينجو بنفسه ويخرج من هذه المعمعة العويصة والدائرة الملغومة ؛ افتعل الاحداث الاخيرة وسهل دخول الارهاب الى حلب وترك الاسلحة خلفه , وانسحب من الاراضي السورية انسحابا مفاجئا تكتيكا ؛ يهدف الى خلط الاوراق والرجوع الى مربع المعادلة الاولى , وهو بهذا التخطيط استطاع ان يضرب المعسكر الاول بالمعسكر الثاني ويبقى هو في موضعه الرئاسي كالمعتاد ؛ كما ذهبت بعض الدراسات الى ذلك ؛ الا ان البعض جزم بانكشاف كافة الاعيبه وانتهاء ورقته واقتراب رحيله ان لم نقل اغتياله ؛ ومع كل تلك التحليلات والسيناريوهات والاحتمالات ؛ يبقى الرئيس بشار الاسد من أكثر الرؤساء الذين رقصوا مع الافاعي ولعبوا بالنيران وتعرضوا للخناجر والسهام وتعاملوا مع الاضداد وتماهوا مع الضغوط الخارجية والتحديات الداخلية .