فجعت منطقة القصيم ومحافظة البكيرية صباح يوم الخميس 9 ـ 2 ـ 1435هـ بوفاة معمر أئمتها صاحب الإحسان والفضل الشيخ سليمان بن محمد علي الزبن عمدة البكيرية السابق، إمام المسجد الجديد (الزبن فيما بعد) والذي أم فيه 63 ثلاثاً وستين سنة بالتمام، حيث أم المصلين فيه يوم الأحد 1 ـ 2 ـ 1372 هـ حتى قبل وفاته رحمه الله بيوم واحد.
للعمدة سليمان الزبن - رحمه الله - سيرة عطرة ومحطات في حياته يحسن الوقوف عندها وحدثنا بها ابن أخته الدكتور علي بن عبد الله الزبن حيث قال:
تعليمه
نشأة العمدة التعليمية كانت في فترة التأسيس وكانت حينها حياة الناس ضعيفة، وأرزاقهم محدودة ولكن والد العمدة رحمه الله اعتنى بتعليمه فأوكله إلى الشيخ عبد الرحمن بن سالم الكريديس والذي له فضل كبير في تعليم أبناء البلد القرآن والقراءة والكتابة ولازم والده الذي كف بصره فاستفاد من خبرة أبيه، ولذا تجد كثيراً من الوقائع حاضرة في ذهنه كما أن بتعلمه وبقاءه في بلدته أصبح مرجعاً لكثير من أبناء البلد في كتابة رسائلهم وقراءة ما يرد إليهم.
وصحب العمدة أباه في رحلته للحج عام 1356هـ وقد حدثني عن هذه الرحلة إلى تلك الديار والتي ابتدأت في شهر رجب وفي هذه الرحلة ذكريات جميلة وقصص لطيفة ولطائف طريفة ومن ذلك ما قاله لي: كنا نسكن أنا ووالدي قريباً من دار الأرقم ملاصقة للمسعى آنذاك ونغدو ونروح إلى أحد معارف الوالد في الغزة وفي إحدى الليالي ونحن غادون قال لي ما معك من النقود؟ فقلت ثلاث هللات فقال لي: لا تساوي ما نريد شراءه من السكر والشاي حيث جرت عادتنا أن نشتري بخمس هللات (قرش واحد) فوضعت الهللات الثلاث أمام البائع وقال لي: ما تريد فقلت سكراً وشاياً فأعطاني ما يساوي طبخة فأصبح هذا ديدني كل يوم وتوفي والده في مكة قبل صدور الحاج إلى عرفة، ثم رجع وأكمل مسيرته التعليمية حيث حفظ القرآن في «مسجد تركي» والذي يقع في وسط البكيرية، وكان به الشيخ عبدالرحمن السالم - رحمه الله - منقطعاً لتعليم القرآن والكتابة، ويدرس بهذا المسجد أيضاً الشيخ محمد الحليفي (والد إمام الحرم). عبدالله الخليفي.
وأضاف الزبن: ثم انتقل العمدة للدراسة على يد الشيخ محمد علي المحمود، وكانت ألحقت هذه المدرسة بالجامع في توسعته الأخيرة والتي قام ببنائها المحسن الكبير والوجيه الشيخ حمود الدياب رحمه الله, ثم تتلمذ على يد قاضي البكيرية شيخ العلم والزهد والورع محمد المقبل في الأصول الثلاثة، كتاب التوحيد، بلوغ المرام، والكبائر.
بعدها انتقل إلى حلقة الشيخ الفقيه عبدالعزيز السبيل ثم سمت همته إلى الرياض موطن الحكم والعلم، فدرس على الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله، كتاب التوحيد، وبلوغ المرام، وزاد المستقنع. وأثناء ذلك أم المصلين في جامع ابن أحمد في القرى، ورجع إلى بلده البكيرية وقد تزود بالعلم، وطلب زملاؤه وأقرانه للعمل في القضاء والإمامة والدعوة، ولكنه لم يرغب الانتقال عن بلدة البكيرية التي أحبها كثيراً.
وفي سنة 1362هـ أمّ العمدة الزبن في مسجد «قليب الشيوخ» وكان المسجد يؤمه أهل القصور لمحاورة للصلاة في رمضان حيث كان الحال ذا صوت ندي وحديث جميل يرغب الناس في الصلاة خلفه بل إن أحد المأمومين قال لا أرغب عن الزبن أحدا « أجد آيات كريمة، قدر دسم، وأيد رطبة».
وفي عام 67 صلى في مسجد العبيد نيابة عن الشيخ ابراهيم الخضيري الذي انتقل إلى الجامع نيابة عن الشيخ عبدالعزيز السبيل الذي أصبح إماماً للجامع، كما أم في عام 69 في الجامع التحتي (الأول، نيابة عن الشيخ محمد السبيل إمام الحرم فيما بعد)، الذي صار إماماً له خلفاً للشيخ عبدالعزيز الذي أصبح إماماً للجامع.
أما في عام 71 فشرع في بناء المسجد الجديد (آنذاك - الزبن فيما بعد) وفي 1 صفر 1372هـ بدأ الصلاة فيه حتى صلاة العشاء يوم الأربعاء 8 صفر 1435هـ حيث أم المصلين صلاة العشاء.
الصلاة الأخيرة «يا أيتها النفس المطمئنة»
في يوم الأربعاء 8 ـ 2 ـ 1435 هـ أمّ المصلين وقد حدثني علي عبدالرحمن الناصر، وهو أحد الملازمين لهذا المسجد منذ تأسيسه، قال لي في اليوم الذي دفن فيه أني لم أعهد هذه القراءة التي قرأ لقد ذكرني أيام شبابه من جهورية الصوت ونداوته، وكانت قراءته في الركعة الثانية من العشاء الآخرة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} (30) سورة الفجر، وتوفي من ليلته - رحمه الله -.
ومن اللطائف في هذا المسجد أنني في عام 1389هـ وكنت في السنة الأولى في معهد البكيرية وصمت رمضان وكان الوقت شاتياً وكان الحال المذكور والشيخ صالح اليوسف الدخيل الله في مسجد تركي وعبدالله العلي الراجحي في مسجد العبيد يختمون القرآن ثلاث مرات في رمضان - رحمهم الله جميعاً -.
وفي عام 86 تم انتخابه عمدة للبكيرية ولم يفعل هذا إلا في عام 1395هـ ومن لطائف هذا الاختيار أن الأمير محمد بن يوسف الدخيل الله رحمه الله تعالى أمير البكيرية ذهب إلى مكة للعمرة فأخذ ختماً باسم «سليمان محمد الزبن عمدة البكيرية وقد ترك الإمارة رحمه الله ولم ير هذا الختم.
وفي عام 1387هـ فتحت شركة البكيرية ورشح رئيساً للشركة وقد تميز بالحزم والضبط في عمله حتى إن شركة البكيرية للكهرباء قد أصبحت من أنجح الشركات قبل توحيدها.
وقد باشر عمدة للبكيرية عام 95هـ حتى عام 1425هـ وقد عرف عنه في عمله الضبط ومعرفة الناس وإنزالهم منازلهم، ومنذ كان يافعاً يكتب للناس رسائلهم ومبايعتهم مع الاحتفاظ بالأسرار والأخبار ومن اللطائف أن إحدى النساء كبيرات السن جاءتها رسالة من زوجها فسألت عن المطوع «كان معروفاً بهذا الاسم آنذاك» فقالوا في الحج ورجع زوجها إليها ولما يرجع الحاج من الحج فسألها زوجها لماذا لم تقرئي الخط ؟ فقالت باللهجة الدارجة «المطوع طق ومات»، كناية عن كتمان الخبر وقد استحسن زوجها هذا الاعتذار كما أنه عمدة في التوثيقات والمبايعات ومحل الثقة لدى القضاء والأمارة وغيرهم.
وهو عضو فاعل في الجمعية الخيرية بالبكيرية ويعمل بحرص ويمد يد العون لكل محتاج وله إسهامات خيرية متعددة, وقد كرم في يوم الوفاء لتكريم أبناء البكيرية البارزين رحمه الله رحمة واسعة.
يوم الجنايز
في يوم الخميس التاسع من شهر صفر رحل معمر أئمة القصيم في رحاب الخالدين وصلي عليه صلاة العصر في مسجد البصلي وحمل على الأعناق إلى مثواه الأخير وقد توافد للصلاة عليه جمع غفير من منطقة القصيم وغيرها حيث كان المصلون عليه في الجامع أو في المقبرة لا يحصون عدداً - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته عن عمر يناهز الرابعة والتسعين، حيث كان مولده عام 1341هـ رحمه الله تعالى.
صحيفة الجزيرة العدد 15062 بتاريخ 21 صفر 1435هـ 24 ديسمبر 2013م .