قبل أيام وصلني عن طريق أحد الزملاء استبيان  يهدف إلى قياس علاقة التنمر في بيئة العمل المحلية بالاكتئاب والرضى عن الحياة. بدأت بالإجابة على أسئلة الاستبيان فوجدت نفسي أتوقف كثيراً عندها مفكراً في محتواها. حقيقة لم يسبق أن خطر على بالي موضوع التنمر في أماكن العمل في بيئتنا المحلية وآثاره السلبية المحتملة على المنظمة وأفرادها. تعريف التنمر كما ورد في الاستبيان بأنه تعرض الموظف باستمرار لتصرفات سلبية - لفظية أو جسدية- من شخص أو أشخاص مع عدم قدرته على الدفاع عن نفسه، ومن بعض صوره التهديد السخرية ونشر الإشاعات والتجاهل المتعمد .

شعرت بغصة وألم وحيرة في نفس الوقت وجعلني ذلك أتساءل..هل هناك متنمرون في أماكن أعمالنا؟ ماهي سماتهم؟ ماهي آثار أفعالهم؟ ماهي طبيعة التنمر الذي يمارسونه وهل هو من النوع الظاهر  بالكلام المهين واللسان البذئ، أم هو من النوع الخفي المتعلق ببث الشائعات والإساءات سعياً لاغتيال الشخصيات وتدميرها ببطء؟ هل هم من المسؤولين الكبار أم من الموظفين الصغار؟ هل هم من المنتجين أم الخاملين؟ 

تكمن المعضلة مع المتنمر المنتج .. السوبر ستار .. منجز المهمات المستحيلة .. الجاهز  لتنفيذ الطلبات العاجلة مهما كان الثمن .. فتكون له حظوة خاصة عند رؤسائه مما قد يجبر الآخرين على الصمت تجاه أفعاله وعلى تقبل شيوع ظلمه الظاهر والباطن .. ومن يجرؤ على الشكوى قد يوصم بأنه مبالغ أو غيور أو حتى كسول ..  وإن ظهر أن المسؤلين على علم بسوء تعامله واستمروا في غض الطرف عنه خوفاً من خسارته وتدهور الأداء جراء ذلك،  فإن حتى التفكير في تغيير دوره قد يصبح مستحيلاً خوفًا من ردة فعله .. فتستمر المعاناة فتتدهور ثقة الموظفين في رؤسائهم لتسامحهم مع تلك الممارسات مما قد يتسبب في انخفاض أدائهم وأداء المنظمة عمومًا مما يزيد من التنمر عليهم فتتفاقم المشكلة..وقد لا يدرك المسؤولون حجمها وأثرها - في خضم انشغالهم بملاحقة الإنجازات -  إلا بعد فوات الأوان وتسمم أجواء المنظمة بالتنمر والمحسوبية .. فهل تشفع المكاسب الآنية للمتنمرين المنتجين وتبرر التغاضي عنهم؟