وأنت على شفير اليأس الأحزان تقتات على روحك، وتتفقد الطريق فتجده خاوٍ فلا مغيث من الخلق، وتتفقد روحك فتجدها مظلمة مهزومة منكسرة، وتتفقد علاقتك بالله فتجد أنها ليست كما ينبغي أن تكون، تقف على شفير اليأس ويضيق الأفق في عينيك، ولكن مهلًا دع عنك عينيك واستعر عيون السابقين ممن مروا مثلك بما مررت، وفرج الله عنهم،
دع الآيات تنساب في روحك لترى كيف فرج الله عن أفضل البشر، وكيف فرج عن الصحابة حين ضاقت عليهم أنفسهم بذنب، وكيف كان خلقهم، ستجد أنه ليست المعضلة في البلاء، المعضلة في رقة قلبك ، في قربك من ربك أوبعدك،
أتذكر لما ابتلاك الله بذلك البلاء ليس لشئ سوى ليزيدك درجة، ليجعلك رقيقًا رفيقًا حانيًا بكل من يمر،كم من مرة تفقدت القلوب المكسورة فلم يخرجوا من عندك إلا وقد روَوا تفثهم، واستقوا من بئر قلبك المملوء بحب الله
فقاموا مجبورين مسرورين، وعادت لهم ثقتهم بأنفسهم، وأنت مسكوراً في داخلك دمعك تستره بالدعاء، تقول لنفسك الله يتولى ما القلب
وحاشاه أن يراني على الضعف ولايقوني، وحاشاه أن يراني أجبر كل مكسور ويتركني!
كم من مرة وقفت وقلبت ناظرينك في السماء، ومرغت جبهتك في الأرض ليلًا، ورفعت كفيك ونصبت قدميك كأنك وتدًا،
أخبر قلبك همسًا أنّ الله يختار رجاله جيدًا، وأنّ الأُمَم تقومُ على أكتاف الصّادقين، وأنّ الاجتباء هو أساس الحياة، أخبر قلبك أنك لست سيئًا حين صمت وقد داسوا قلبك، وأحرقتك كلماتهم حتى ضاق بصدرك أنفاسك وودت لو وقف القلب،
أخبر قلبك أن هؤلاء الذين آذوك وأنت قادر على الرد بالإيذاء أن الله قد رأى ويعلم ماجرى
أخبرك قلبك يوم أن كظمت غيظك وعفوت عما آتاك معتذرًا نادمًا بعدما شطر روحك فقلت عفوت يارب ومن أنا لكي لا أعفو
وأنت العظيم الذي تسترني وتعفو، فكيف لا أعفو!
أخبر قلبك أن سود الليالي تصقل الروح، وأن اشتداد الظلمة يعني جلاؤها، والسر في فرديتك عند البلاء استخلاص العبودية للرب وحده، والتجارة الفردية محرك للعبودية، فحتى لو كان كل الخلق فيك من الزاهدين فقل يارب اجعلني عندك لست من الكاسدين، تجارتك مع الله فقط
وحسن الخلق يقرب للمنازل الأنبياء والصالحين، والصمت مع الجاهل صدقة، وأن الله جعلك من أبناء الفجر فلست الغافلين الذين شغلتهم دنيا الآخرين عن آخرهم،
اجعل من روحك فتيل قرآني، حتي يكون الفاتحة ابتداءًا والفرقان غذاءًا، والإخلاص مع الأعمال انتهاءًا وكل بلاء للقلب دواءًا، عَلّمه أنّ الغيث يغسل الأفئدة، وهو دليل السائرين، ومشكاة الحائرين، ومنارة التائهين، اجعل أنفاسك قرآنًا، وخَلَواتك عمرانًا لتكن صدّيقًا ! حاشاه أن يراك تتقلب مع الساجدين وتسارع في الخير، وتعفو، وتتخلق وبآياته تحلق ثم يفتنك ويتركك، أو يخذلك ويكسرك، إن ربك لطيف، وهو على شىء قدير
فقل لبيك لايشقى قلبًا لجأ إليك...
