بقلمى -- لماذا نخشى الموت؟
دار بخلدي هذا السؤال عندما كنت جالسي بمفري في غرفتي واذا بالتيار الكهربائي ينقطع عن الحي السكني كاملا و شعرت ان عوده الكهرباء ستطول وقبل ان ادخل في دائرة الملل بعدم وجود شيء قد تمضي الوقت فيه فأخذت قرارا مهما وكان انقطاع الكهرباء في الدقائق الاولي وكانت مازلت حدقه العين لم تتوسع بشكل يعطيك القدرة علي تمييز الاشياء في الغرفة وكانت الغرفة شديدة الظلام حتي انك لا تستطيع ان تري باطن كفيك فأخذت القرار الذي زاد العتمة عتمة ووضع ظلمة فوق الظلمة وجعلني في ظلمات ثلاث الا وهو ان تغمض عينيك وتنام فأصبحت في ظلمه عينيك داخل ظلام الغرفة داخل سواد الليل الحالك ولكن بعد محاولات في ظل هذا الظلام لم استطع النوم وشعرت بخوف قد بدء يتسلل الي فقررت ان اشغل عقلي الواعي ببعض الأسئلة الوجودية المعقدة التي ليس لها جواب قاطع لعله يزيح عني الخوف ويترك لي مجالا كي انام وكان السؤال لماذا نخشي الظلام؟ ففتشت في عقلي واستحضرت ما تبقي في ذاكرتي من احداث الطفولة والفترات الزمنية المتلاحقة لعلي أجد فيها سببا يجعلني اخشي الظلام ولكني والحمد لله لم اجد فلم يصادفني مره ان شاهدت ماردا طويلا كثيف الشعر لامع العينين طويل الأذنين ولا رأيت يوما عروسه بحر ولا حتى أحد ملوك الجان
فاذا من اين كونت عقولنا هذا الخوف الفطري من الظلام اهي إحدى حكايات جدتي عن النداهه أو ابورجل مسلوخة او صديقنا الذي تزوج بحوريه من الجان ويغيب من فتره لأخري كي يزور اصهاره وأقارب زوجته تحت طبقات الارض السفلي او في اقاصي الجبال
ام ان هذا الخوف الفطري اتي من توارث الجينات من اسلافنا الذين سبقونا الذين لم يعاصروا النور ولم يشهدوا التقدم الذي نحن فيه فكان لديهم اي حركه في الليل غير معروف مصدرها فأنها تشكل خطرا فربما يكون حيوان مفترس او لصوص تريد الفوز بما لديهم من مؤن ومتاع وعليه لابد من الخوف واتخاذ الحذر حتي تنجوا بحياتك ثم توارث الاجيال ردود هذه الافعال تلقائيا حتي يتم الحفاظ علي الجنس البشري وتوارثناها واصبح العقل يأخذ نفس رده الفعل حتي وان لم يكن هناك خطر حقيقي وان عقلك هو الذي صور لك هذا الامر حتي تنجوا بحياتك مثله مثل الاشياء التي اثبتها العلم بأن اجسامنا مازلت تحتفظ ببعض الصفات من اسلافنا والتي لم تعد لها حاجة مع تغيير الزمن مثل ضرس العقل الذى كان ذو فائدة كبيرة عند اسلافنا في مضغ الطعام المليء بالألياف ويمكننا حاليا التخلص من ضرس العقل دون مشكلة او فارق يذكر او مثل القشعريرة التي تنتاب اجسادنا وقت البرد الشديد والتي كانت ردة فعل أساسية عند اسلافنا القدماء بانقباض العضلات اسقل بصيلات الشعر فتقف هذه البصيلات لمنع الهواء والحفاظ على الدفء وحرارة أجسادهم او مثل غثيان الحمل عند النساء والذى كان هو تصرف طبيعي لدى اسلافنا للتخلص من الطعام الذى من الممكن ان يضر بالجنين ومع وسائل التبريد الحالية والحفاظ على الطعام من العطب فغالبا لا يدخل أجساد الأمهات حاليا اطعمة فاسدة قد تسبب ضرر للأجنة ومع ذلك فمازلت أجساد النساء تأخذ نفس ردة الفعل والغثيان دون حاجة فعليه لذلك فهل يا ترى خوفنا من الظلام كان من ضمن الردود الطبيعية التي توارثناها من اسلافنا ومازلت اجسادنا وعقولنا تتعامل معها بنفس ردة الفعل مع عدم وجود سبب حقيقي لها.
وبعد كل هذا التفكير وانا أحدث عقلي وبعد مضي وقت ليس بالقليل ولم يرجع التيار الكهربائي بعد ولكن كان عندي من الجرأة ان افتح عيني وبعد ان اعتادت عيني علي الظلام لفتره فأصبحت اميز الاشياء بالغرفة فهذا سريري وهذا مكتبي وعليه كتبي وحاسوبي وهذا الشيء اللامع من بعيد في نهاية الغرفة ما هو الا مرأه ليس بها أي اشباح. وبعد هذا التفكير وجدت عقلي يطرح علي نفسه سؤال اخر سؤال اعم واشمل اذا كنت تخشي الظلام فما هي الاشياء الأخرى التي تخشاها فوجدت عقلي بدء بالتفكير والذهاب يمينا ويسارا ويجول في اعماق ذاكرتي ويطرح السؤال علي كل عضو في جسدي فوجدت الجواب اني اخشي ما اجهله اخشي السقوط اخشي الفراق اخشي الفشل اخشى المرض اخشي من كل مالا يمكنني توقع نتائجه بل وجدت اني اخشي كل مالا يمكنني السيطرة عليه وفي هذه الاثناء من تضارب الافكار وتلاحقها واذا بالكهرباء قد عادت وسمعت صفيرا الاطفال اسفل البيت فرحه بعوده النور الي الحياه ولكن عقلي لم يتوقف عن التفكير فنفضت غطائي واعتدلت في جلستي وقد باغتني عقلي بسؤال لم اكن اتوقعه او فكرت فيه سابقا وهو لماذا نخشي الموت؟؟؟
لماذا نخشى الموت ونحن لا نعرف يقينا عن كيفيته وعما هو تحديدا اهو شعور ألم ام هو شعور سعادة ام هو شعور انتقال لمكان لانعرف عنه شيئا فلم يسبق لاحد ان عبر بوابة الموت وانتقل الي الحياه الأخرى ثم عاد الينا يروي القصص والحكايات عما راي وعما وجد وان كل هذا في علم غيب رب السموات واقصد بعبور بوابة الموت هو الموت الذى لا يمكن الرجوع منه وهو علميا الموت الدماغي وليس فقط توقف عضله القلب وضخ الدم الى جميع أجزاء الجسم والتي يمكن ان يتم السيطرة عليها وارجاع المريض الى الحياه مرة أخرى. فلماذا إذا نخشى الموت هل لأنه مجهول لنا او لأننا لا نستطيع ايقافه او السيطرة عليه فهو يسلب منا احباب ولا نستطيع حتي ان نراه ولا نحدثه او نطلب منه ان ينتظر قليلا. فهذا فيروس لا يرى بالعين المجردة ارعب ملايين البشر أوقف رحلات اغلق مدارس بل انه حاصر ملايين في مدنهم وداخل بيوتهم خسارات مادية بالمليارات حالات إنسانية فأصبح الأخ يخشى مصافحة أخاه وهذه أم لا تستطيع ان تحتضن ولدها المصاب وكثير من الحالات وسيظل كورونا هو العدو الأول للبشرية حتى يتم إيقافه والسيطرة عليه. الكل يخشى الموت الفقير الكادح الذى لا يجد قوت يومه والمرأة المسكينة التي لا تجد ما تسد به جوع اطفالها وفاحش الثراء الذى حاذ على كل ملذات الحياه حتى أحكم الحكماء الذى يوقن بأن لكل شيء نهاية وان اول بشرى للموت هي الولادة فالكل يخشاه ربما لأننا نخشى ان نفقد الفرصة الوحيدة لنا في الحياه وكل ما اعتدنا عليه فيها من مجالسة أبنائنا وزوجاتنا واحبابنا وكل ما اعتدنا عليه ونخشى فقدانه ام لأنها الفرصة الوحيدة التي لا تتكرر ولا تستطيع العودة مرة أخرى لإنجاز ما قد فاتك او تصحيح اخطاؤك.
الموت هو من يعطى قيمة حقيقية للحياة وان تجتهد فيها وتترك أثر طيب لمن بعدك ليذكر يوما انك قد مررت من هنا.
وبالنسبة لنا كمسلمون فأننا نؤمن إيمانا قاطعا بالبعث والحساب والجنة والنار واننا لا نستطيع ان نتوقع نتيجة ما بعد الموت والحساب فالمؤمن لا يأمن مكر الله ولا يأمن عذابه نؤدى الفرائض ونعمل الطاعات ولا نعلم اقبلها الله ام ردها علينا ونعمل المعاصي والزلات ولا ندرى اكتبت علينا ام غفرها الله لنا فالمؤمن دائما في وجل بين الخوف والرجاء فلا يقنط ولا ييأس ولا يأمن مكر الله وعذابه.
وأخيرا استمتع بحياتك واستمتع بما لديك واحمد الله عليه واجتهد ان تترك اثرا طيبا فيمن حولك ونسأل الله ان يجمعنا وإياكم في جنات النعيم.
أخوكم / أحمد السعيد