ما بال تلك الأزهار قد ذبلت ..
كثيرون تكلموا عن المستحيل ، أبحر الكثير في فلك الا معقول ، وتلك المعادلات التي ﻻ تساوي شيئا ، ﻻ قيمة لها سوى استنفاذ طاقة تفكير تتعب عقل المرء وقلبه ، وهي
تطرح عليه التساؤل الشوق و التذكر ، تخبره عن أزهار البساتين التي ذبلت وسقطت رؤوسها حتى كادت تلامس أصول سيقانها ، تحرك سؤال الشوق ، وهو يقدم تلك
الافتراضات .. بمزيج من اﻷسى و الحزن و الخوف المبالغ فيه و ظن أسوء الاحتمال أسوء ما في الالم : انتظار معرفة تفاصيل خبر سيء عن حبيب قريب ، والمنتظر نتيجة
سقوطه وفشله الذريع ، أما الفشل البسيط فقد يعطي للعزاء مكان .. بتجاوز البعض يخاف أن يعرف أنه قد خسر كل شيء ، يخاف أن تذبل أزهار السعادة في قلبه كما ذبلت
أزهار البساتين ، فيرى في اﻷزهار اليأس و الخوف بعد أن كانت تشعره آمل وحياة .. لماذا تلك الذكريات تخنقنا دائمآ ، الجميلة منها و الحزينة ، تتذكر عيشك جوار بعضك
الذي أخرجته منك لتسكن داخله ..تلتصق به ، تقترب منه ، ﻻ تفارقه ، حتى ﻻ يرحل بعضك حين أودعته جسده أمانة ، برحيله مزقت أطراف الروح ، نزعت أجنحتها ، قطعت
أقدامها ، ما عادت تقف على قدميها كما كانت ، ما عادت تسير ، صارت مجرد صريع مدفوع بأرصفة اﻷحزان على قوارع الطريق
في جمع من البائسين ، يمر بهم الشامت ، ليندر و يسخر ، واصفا أحزان التضحيات ، "باللعبة" لعبة في يد أطفال ، أتلفوها حين ملئوا منها ، معترضين على طول بقائها
بأيديهم ، ليت أولئك الشامتون كانوا على رصيف حزن من تلك تلك الأرصفة ، فتلك منازل اﻷوفاء ولكن من تعود النكران ، فلن يحس بعذوبة صبر الوفاء و الاشتياق و
التذكر .. والرضا عن النفس و إن كان يؤلم ، إن الوفاء يذكر بأنه ما زال فينا بقية من إنسان ، جعل لمشاعره كلمة في ظل خداع العقل المتسخ ، تسائلت ما لأزهار البستان قد ذبلت .. ؟
فيجيبها : كانت باﻷمس تهمس ، عندما قرب أنفه من وجهها ليتنفس أنفاسها العطره ، همست له بخفة حين نثرت عبيرها على وجهه
قائلة : إني الفظ أنفاسي اﻷخيرة ، اضطرب ، تبدلت ابتسامته ، تغير مزاجه ، حاله ، فكر مليا ثم قال : يبدوا أن هذا اختبار مدى تعلقي بك .. لن تذبلي ما دمت حيا ..!
ردد عليها تلك الكلمات ، حتى خفضت رأسها حياء ، ثم ارتسمت على وجهها ابتسامة الرحيل ، مؤذنة بالوداع تركها وهو يردد موعدنا شروق الشمس يا زهرة سعادتي
قام فزع من نومه الذي رأى فيه ، لصا ينثر سمه على تلك الأزهار، وهي تصيح مرددة اسمه ، تطلبه النجدة ، كان غافلا نائما حينها ، قام فجأة من نومه فزعا .. رمى بالغطاء
الذي كان يلفه ويقيده ..مسرع إلى بستانه ، ليرى تلك اﻷزهار قد قضت ، وحكم عليها ان تموت، رآها خافضة الرأس، كان حبل المشنقة يلفها من كل مكان
وقف مذهول مرتبك ، أراد جمع ذاته ، كيانه ، لم يستطع ، غدى جسده الممتلئ المشرق ، نسيج ضئيلا كخيوط العنكبوت ، تهب عليه ريح اﻷحزان تتمايل به، وبمشاعره الممزق ..
- تلك حكاية البستان ، وحكاية ذبولها .. لقد ضاعت اﻷزهار مني.