دعى الشيخ محمد متولى الشعراوى كلا من توفيق الحكيم ويوسف إدريس والدكتور زكى نجيب محمود، حول مقالات الحكيم «حديث مع الله» لعقد مناظرة تليفزيوينة يحضرها وحده فى مواجهتهم. بدأت القصة عندما كان الأديب والمفكر توفيق الحكيم ينشر مقالته الاسبوعية بعنوان "حديث مع وإلى الله" بجريدة الاهرام كل يوم ثلاثاء تحدت عنوان "حديث الثلاثاء" وكانت تعبر عن حالة أدبية وفكرية كبيرة في الأوساط الثقافية. ومن أهم ما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي حينها "الأستاذ توفيق الحكيم لم يقل لنا كيف كلمه الله.. هكذا مواجهة أم أرسل إليه ملكا أم ماذا حدث؟ وما هي الكيفية التي تم بها الحديث فإن كان الحديث من الله تخيلا أن الله يقول فكأن الأستاذ توفيق الحكيم قد قيد مرادات الله بمراداته، أي أنه قد قيد إرادة الله بإرادته هو؛ فما يريده عقل توفيق الحكيم يقوله الله سبحانه وتعالى في مقالاته وما لا يريده .
وتقييد إرادة الله بإرادة البشر هو خطأ ثان ارتكبه الأستاذ الحكيم، وأعتقد أنه خطأ جسيم لا بد أن يعتذر عنه ويستغفر الله؛ فما من بشرمهما بلغت عبقريته يستطيع أو يسمح له بتقييد إرادة الله بحيث يجعل الله سبحانه وتعالى خاضعًا لإرادة بشر، يقول ما يقوله هؤلاء البشر ولو تخيلا، ذلك اجتراء على الله جسيم وكل من يجترئ على الله سبحانه وتعالى بأن ينقل عنه عز وجل ما لم يقله موعود بالويل؛ فما بالك بمن قيد إرادة الله بإرادته يجعل الله يتكلم متى شاء توفيق الحكيم ويجعل الله يسكت متى شاء توفيق الحكيم أن يسكت الله ويجعل الله يحكم عباراته وكلماته عقل توفيق الحكيم وفكره.
ترقب الجميع رد الفعل علي هذه المناظرة، فالداعى شيخ له جماهيريته الواسعة، والمدعوون رموز كبيرة فى مجال الفكر العربى، ويرصد الكاتب الصحفى محمد توفيق فى كتابه «الملك والكتابة» هذه الردود قائلا: " سارع وزير الإعلام صفوت الشريف بالموافقة قائلا: «إن مثل هذه الندوات تساعد على تبصير المجتمع بالقضايا الدينية».. وعلى صفحات جريدة «الشعب» لسان حال حزب العمل المعارض، طرح يوسف إدريس فى حوار له تساؤلات منها: «كيف أن عالما جليلا فى هذه المكانة يسمح لنفسه أن يتهم الآخرين بالكفر وإذا كان هو فعلا غيورا على الإسلام، فالإسلام ينص على أنه قبل الحكم على إنسان لابد أن يحاكم أولا، ونعطى له فرصة الدفاع عن نفسه، ولكن ليس هكذا، وبشكل غيابى يصدر حكما بالردة، أوبالارتداد عن الدين، وهى التهمة التى يعلم جيدا أن عقوبتها الإعدام فى ميدان عام، وإعدام من؟ إعدام رؤوس كبيرة فى البلد تتلمذت على أيديهم أجيال وأجيال".. رد الشعراوى قائلا: " إن الشىء الذى أحب أن أحدده ولا أدرى كيف غاب عمن يتصيد ما يأخذه على شخصى أننى لم أرم أحدا بالضلال أو الإضلال أو الكفر، ما الذى يجعلهم يجذبون هذه الألفاظ إلى جهتهم؟".
وكانت الأزمة الكبرى بين الإمام وإدريس نشبت بسبب كتاب إدريس "فقر الفكر وفكر الفقر" الذي تضمن وصفًا للشعراوى بأنه راسبوتين المسلم، مشيرًا إلى أنه يمتلك كل الخصال الذي كان يتصف بها راسبوتين فهو يمتلك قدرة على إقناع البسطاء من الجمهور، وقادر على التحدث بذراعيه وتعبيرات وجهه، بالإضافة إلى قدرته الواضحة على التمثيل، ولكنها قدرة ممثل نصف موهوب.
كما وصفه إدريس بأنه يملك جيبًا كبيرًا مفتوحًا دومًا للأموال، ولقد قام أحد الصحفيين بنشر خبرًا في جريدة الأخبار حول هذه الجملة، و"قامت الدنيا ولم تقعد"، فقد كان إدريس قاسيًا فيما قال في نظر الكثيرين.
وايد د زكي نجيب محمود ما قالة د يوسف ادريس متهما الشيخ الشعراوي بانه كهنوت ديني ويقود مجموعة من رجال الدين للهجمة علي الثقافة والمثقفين معتبرا أنه زعيم كبير روحي مثل الخميني يقود مجاميع متطرفة ضد حرية الرآي و التعبير والصحافة .
تدخل بعض علماء الازهر الشريف بجانب الشيخ الشعراوي علي الفور وكتب الشيخ محمد أحمد المسير مقالا تحت عنوان “أدب الحديث عن الله” نشرته جريدة اللواء الإسلامي في 10 مارس 1983 يقول فيه: إن الطامة الكبرى هي في إقامة نفس هذا الحوار أساسًا فهو افتراء وكذب وخداع ولا يغني عن ذلك أن يقول الحكيم: “أقيم أنا الحوار تخيلا وتأليفا”.
ومع احتدام الخلاف أُثير غضب كبار المثقفين ومحبي الشيخ، فقد قال حينها الدكتور أحمد هيكل، وزير الثقافة، إن هذا الكلام "ساقط" وإن نبينا المصطفى صلّى الله عليه وسلم، قال "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا"، وأن الشعراوى مفخرة مصر، وهاجم سعد الدين وهبة كلمات إدريس قائلًا: "هذا الكلام لا صلة له بأى فكر أو ثقافة وأنه إسفاف من الكاتب".
وتساءل المسير في مقاله : "أين نحن اليوم مما يفتريه الحكيم في مثل قوله: ـ وفجأة حدث العجب حدث ما كاد يجعلني يغشى علي دهشة فقد سمعت ردًا من الله أو خيل إليّ ذلك وهل إذا درست الحساب بنجاح والتحقت بمدارس العلوم كنت ستراني؟ هذا ما سمعته وهذا يكفي ليجعلني أعتقد أن الله قد سمح أخيرًا أن يدخل معي في حديث ـ " إن هذا الشكل من الحديث جرأة على الله وإهدار للمقدسات واعتداء على شرف الكلمة وضياع لمعالم الحق وتدليس شنيع، يجب التوقف عنه وإيقافه حتى لا يسقط القلم من يدي الحكيم ويكون هذا آخر ما كتب" !!
انضم المستشار محمود عبد الحميد غراب رئيس محكمة الجيزة حينها إلي المعركة فكتب في جريدة النور التابعة لحزب الأحرار يقول : " لتوفيق الحكيم سابقة أخرى على صفحات مجلة أكتوبر عندما أجرى حوار مع ملك الموت بأسلوب ساخر معه حول الأجر الإضافي ومن يساعد ملك الموت وكان هذا الحديث في واقعه مقدمة لتجرؤ ذاك ـ التوفيق ـ بعد ذلك على سخريته من الله جل في علاه، فهو إذن سبق إصراره بمعاندة الله والنيل من الذات العلية المقدسة، مثله في ذلك كمثل إبليس اللعين الذي استكبر على الله ورد عليه بأسلوب المكابرة قائلا: “فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم" .
وكتب عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين آنذاك بجريدة النور في 9 مارس 1983 مقالا تحت عنوان: “أهكذا تختم حياتك أيها الحكيم”؟ يقول فيه: "هل نسي هذا المتحدث مع الله أن العليم الخبير قد قال بالقول القطعي الثبوت القطعي الدلالة: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من رواء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم}. فإذا كان هذا هو كلام الذات العليا التي يقول الأستاذ أنها ردت عليه فأيهما نصدق كلام الله وقرآنه أم كلام الكاتب الضليع الفيلسوف الحكيم؟!". وقال : "هل تبين لنا معني قولك إن الأديان نسبية تختص بها أرض دون أرض؟"
بعد كل هذا الهجوم تقدم إدريس باعتذار في الأهرام من خلال مقال حمل عنوان "توضيح عاجل واعتذار"، واصفًا ما ورد في مقاله الأول "بالخطأ الفنى المطبعي" سقط إصلاحه سهوًا، وتساءل مستنكرًا "كيف يمكنه الإساءة والتجريح لشخصية عظيمة كالشعراوى؟"، مؤكدًا أنه قام بتصحيح الجملة في بروفات الكتاب ولكن هذا التصحيح لم ينفذ مما جعل الفقرة تبدو عنيفة في هجومها
فريدة الشوباشي
ادعت الكاتبة الصحفية والإعلامية فريدة الشوباشي أن الشيخ الشعراوى"طعنها في إحساسها الوطني وأنها لا تحبه، حينما صرح عقب هزيمة مصر في يونيو 1967م بأنه سجد لله شكرًا على هزيمة مصر، وأنه برر هزيمتنا بسبب ابتعادنا عن الله وهذا تفكير عقيم -حسب قولها - ، وأضافت : "يعني إسرائيل كانت أقرب من ربنا لينا كمصريين في الحرب، وأنا مابحبش الشعراوي أنا حرة". وقالت إنها كتبت للشيخ الشعراوي في حياته "أن الذي يسجد لله شكرًا على هزيمة مصر.. هو بالضرورة يسجد لله شكرًا على نصر إسرائيل"، مضيفة: أنا أغفر أي شيء إلا الطعن في بلدي
ورد الشعراوى قائلا أنه تم انتقاده من الكثيرين وأولهم ولده وكان رده حين سأله أبنه: كيف تسجد لله وهذا علامة الشكر من نكسة أصابتنا؟ قلت: يا بني لن يتسع ظنك إلى ما بينى وبين ربي لأنني فرحت أننا لم ننتصر، ونحن في أحضان الشيوعية لأننا لو نُصرنا ونحن في أحضانها لأصبنا بفتنة في ديننا. وفي السياق ذاته، قال الشيخ الشعراوي عن حرب أكتوبر 1973م: لما توقفنا عن شعار الله أكبر، كانت الثغرة، ولو أننا ثبتنا على هذا الشعار، لكنا انتهينا إلى تل أبيب
الدكتور طه أبوكريشة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف:" ليس من حق الشوباشي تنصيب نفسها حكماً على العلماء، دون أن تكون دارسة للفقه أو السُنة، وأن الشوباشي وأمثالها أعداء لكل من له صلة بالدين، فهي تكره الإسلام ومن ثم تكره كل من ينشر تعاليمه".
وأصدر المستشار الدكتور أنور الرفاعي، المحامي بالنقض ورئيس المركز الوطني للدفاع عن حرية الصحافة والإعلام، بياناً مكوناً من إحدى عشرة نقطة جاء فيه: " لم نكن بحاجة أبدًا لمثل هذه التصريحات المسممة، ووصف تصديها لتفسير آيات القرآن وقولها: إن أول آية في القرآن كانت "اقرأ" وليس "اخرس" بأنه ربط غير أمين وغير راق برقي آيات القرآن، وتساءل لماذا في هذا التوقيت بالذات لماذا هذا الهجوم؟ ولمصلحة من تفعلي هذا أنت ومجموعة العلمانيين؟ وأجاب أنه يخدم مصلحة الإخوان والدواعش وليس الوطن".
وقالت الإعلامية "بسمة وهبة" : "أخشى أن يكون هذا مدخل فتن للناس لإهانة الرموز الوطنية"، وأشارت إلى أن هناك خطة ممنهجة على الفضائيات تستهدف الرموز الوطنية".
واستنكر الإعلامي جابر القرموطي، هجوم الكاتبة فريدة الشوباشي، على الشيخ الشعراوي، وتساءل: "ليه أوصف القامة الكبيرة بأنه مُثير للفتن علشان قال سجدت لله بعد نكسة يونيو 67؟.. ما الفائدة التي تعود على مُهاجمي الشعراوي؟
وقالت الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن "الشعراوي" شخصية لن تتكرر، إذ أنه قدّم تفسيرًا القرآن الكريم بطريقة بسيطة، ومن يعرفه جيدًا يدرك مدى حبه لوطنه
الوسوم
الشعراوى- يوسف ادريس- فريدة الشوباشى-ذكى نجيب محمود- توفيق الحكيم- الأزهر