فساد برلمان وشعب غمان

حيدر حسين سويري

   الأغم لغةً هو كثيف الشعر في جبهته (له معاني أخرى ايضاً)، ومن هذا المعنى ظهر اصطلاحاً عاماً على كل شخص لا يستطيع تحليل الأمور وفهمها الفهم الصحيح...

   بالأمس اعتذر (توفيق علاوي) عن تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة (بدل حكومة عبد المهدي المستقيلة منذ أكثر من 3 شهور! ركز معي عزيزي القارئ 3 شهور)، وعلل ذلك بأنه لم يستطع التغلب على سلطة الأحزاب وفسادها، ومن الواضح جداً أن من يصوت على الحكومة هم أعضاء البرلمان وليس الأحزاب، اذن نستنتج من ذلك ان الأحزاب تسيطر على البرلمان، وعندما خرجنا في مظاهراتنا التي ما تزال مستمرة ضد الفساد والفاسدين، كان توجهنا نحو الأحزاب، وأنها سبب الفساد، وذلك بجلبها لهم وبتكفلها حمايتهم، ولما علمنا بتحكم الأحزاب بالبرلمان، حكمنا تلقائيا بفساد البرلمان، وأنه لا يمثل الشعب، ولذلك قلنا ان الفاسد لا ينتج عنه غير الفاسد، فطالبنا باستقالة حكومة عبد المهدي على ان تتشكل حكومة جديدة مستقلة، وفق السياقات الدستورية، بعيداً عن المحاصصة الحزبية (يعني بعيدا عن الأحزاب)، والسؤال: هل يمكن ذلك وفق السياقات الدستورية؟ والجواب: لا يمكن. فطالبنا بتعديل الدستور...

   هنا بدأت الأحزاب لعبتها القذرة مع هذه مطالب الحقة، فتارة هم مؤيدون للمظاهرات، ثم يصرحون بانها مؤامرة خارجية، تدعمها دول مستفيدة سياسياً واقتصادياً، ثم يصرحون بأنهم مع مطالب المتظاهرين، ويطالبون باستقالة عبد المهدي بسرعة (لأنه كان عازماً على فضحهم وذلك حينما طالب بجلسة علنية) مما دفعهم الى الهيجان وركوب موجة المظاهرات والتركيز على اسقاطه وحكومته، بالرغم من مجيئهم بهِ هم أنفسهم، فاضطر الرجل ان يستقيل وهو مكبل جاء وخرج والقيد في معصميه!

   المهم: انهم حاولوا اسكات الجماهير الغاضبة (عن طريق تحقيق مطلبهم حيث ان الجماهير لم تطال باستقالة الحكومة ابتداءً)، لكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك (حيث استمرت الجماهير بالمطالبة بالتعديلات الدستورية تسبقها مفوضية مستقلة للانتخابات وقانون انتخابات عادل)؛ فبدأت الخطة الأخرى: وهي المماطلة والتسويف، فاتوا بمرشحين من عندهم، فرفضتهم الجماهير، فتركوا الترشيحات للجمهور.

   وهنا السؤال: لو كان الاختيار على أيٍّ كان (علاوي او غيره) من قِبل الأحزاب او الجماهير، وأن الآلية ستكون نفسها، وهي عرض الحكومة على البرلمان (وكما قلنا سابقاً أن الأحزاب تتحكم به) أفلا يستطيعون اسقاط أي حكومة بعدم التصويت عليها!؟

   المصيبة ان لعبة الأحزاب واضحة، حيث أصبح اللعب على المكشوف كما يقال، لكن بعض الجماهير ينطبق عليها نعت(الغمان) حيث ان اسقاط حكومة علاوي بعدم التصويت كان لا بُدَّ منه، لكسب الوقت (للاستمرار بالمماطلة) أو لعدم حصول الأحزاب على مصالحها الخاصة، فان مررت كما يرغبون كان بها، وان رفض(علاوي) فعدم التصويت حصته والسلام.

    أما مصيبة الغمان الكبرى، فهي قولهم بأنهم هم من أسقط حكومة علاوي! والسؤال: كيف؟ فان كنتم رافضين له منذ البداية، فلم يؤخذ بكلامكم، وخير دليل على ذلك أنه شكل حكومته وعرضها على البرلمان؛ وان كنتم رافضين له فيما بعد، فالذي اسقطه هو البرلمان بعدم التصويت له، فهل أنتم راضون عن البرلمان واحزابه؟ فعلامَ تتظاهرون!؟

بقي شيء وهو تحليل بسيط لمجريات الاحداث:

إن قول البعض بأن كل المشتركين في العملية السياسية فاسدين، أصبح كلام غير مقنع بالمرة، فلا يوجدُ شيءُ شر كلهُ الا إبليس، كما لا يوجد شيء حق كامل الا الله تعالى، لذلك نقول: إن عبد المهدي لو تُرك لهُ المجال، لأحدث شيئاً مهماً وخصوصاً اتفاقية الصين (التي نتمنى ان تمرر)، كذلك لو تم الأمر لعلاوي لأحدث شيئاً وان كان طفيفاً، لكني اعتقد ان ما يجري هو الاتفاق على بقاء حكومة عبد المهدي او ما يشابهها لأطول فترة ممكنة، وذلك ان السياسة الخارجية ترفض خيارتها على السياسة الداخلية، وان هناك من يعتقد انها حرب من نوع اخر، يجب على العراق ان ينتصر فيها او الخروج منها باقل الخسائر، ولو قُدّرَ لهذه الحرب رجالاتها، فمن المؤكد اننا منتصرون بإذن الله.

.................................................................................................

حيدر حسين سويري

كاتب وأديب وإعلامي

عضو المركز العراقي لحرية الإعلام

البريد الإلكتروني: [email protected]

موبايل: 07705379145