Image title
أدب الفن التشكيـلىالتكامل والتناغم بين الأدب والفـن التشكيــلىبقلم د.طـــارق رضـــوان"قيصـــر الأدب"

الوسوم: الفن التشكيلى/ القصيدة/التصوير الفوتوغرافى/حميدة السنان/عبد الرحمن السليمان/تكنولوجيا فن الرسم/أبو لينير/ماكس جاكوب/ بول كلوديل، وبول فاليري وروبانس/رويدة عبد الحميد/الثقافة الفنية/فريال الصايغ

الإبداع هو دعوة بوح لأعماق المبدع، دعوة إصغاء لذاته، ودعوة ليلمس الجمال، ليسمعه، ليتنشقه وليشعر به أينما وجد. يوحي به للآخرين وينثره حولهم صمتا أو بوحا ليكون صرخة أمل، صرخة إنسانية، وصرخة محبة وسلام
والمبدع الحقيقي هو من يوقظ الجمال القابع في زوايا النفوس المظلمة، وهو من يجعل نور فكره يشرق من بين أصابعه ليضيء درب كل من يبصره.
وهو أيضاً من جعل إبداعه هوية للتعريف به وجزءاً لا يتجزأ من روحه ومشاعره وأحاسيسه ومن قناعاته ومبادئه.

مثلما يقال بأن الشعر صورة ناطقة فإن الرسم هو كذلك شعر صامت. من جانبه، يوضح الفنان التشكيلي عبد الرحمن السليمان أن تمازج الفن التشكيلي مع الشعر هو حالة فنية بحد ذاتها، قائلا: «من المفترض ألا نعزل الجوانب الإبداعية عن بعضها، سواء أكانت شعرا أو موسيقى أو فنا تشكيليا أو مسرحا وغيره، فجميعها تصب في نهر واحد». ويردف السليمان بالقول: «كثير من الفنانين التشكيليين لهم علاقة بالأدب والشعر من حيث الكتابة»، ويضيف «الفنانين بشكل عام أسسوا لحركة فنية حديثة، وبالتالي تسايرت هذه الحركة مع معظم أنواع الفنون وتمازجت مع بعضها البعض، على مستوى الشعر والقصة والموسيقى وغيره، وأصبح لدينا حالة من التلاقح الفني والأدبي».

أما الفنانة التشكيلية حميدة السنان، فتعبر عن هذا التمازج بالقول: «يأخذ الشعر الحديث أبعادا ومضامين تتواصل مع الصورة المرئية والمسموعة أيضا، فاتحا بذلك آفاقا واسعة لتأملات مختلفة تتعدى زمنا معينا أو أسلوبا بعينه، لذلك يبدو التشكيل وجها آخر للتواصل والتمازج الشعري من حيث اللون والمساحات والأشكال المتناغمة، والتي تبحث في شاعرية الصورة».

ممارسة الفن التشكيلي التقليدي مذاق كالترياق لمن يصبو إلى الخلود. التشكيل: هو وسيلة تعبير عن مكنونات النفس، إنه تفريغ كل هواجسنا وأفكارنا على بساط القماش فيزهر ألوانا محولاً معاناتنا إلى عمل فني جميل يسترعي انتباه المتلقي، فيُحيك حوار من التخاطب الراقي.

القصيدة:

هي وجه أدبي إيقاعي آخر للبوح عما يختلج فينا من أحاسيس، هي صور ومشاهد ووصف دقيق عابقة بالتشكيل والألوان إن جاز التعبير. والترابط بين اللوحة والقصيدة جداً وثيق.

أما الفرق بين الفن والقصيدة:

الفن هو وسيله تخاطب بين كل الشعوب ولكن الرسم طريقه مُعبّدة والفكرة من خلاله لها تصريح مرور أسرع لكل الناس، بينما القصيدة لها مصطلحاتها الخاصة بكل لغة وهنا ربما تتعذّر الوصول دون خوض غمار اللغة والترجمة.

فالشاعر قد يكون مشروع تشكيلي وليس العكس، لهذه الأسباب:

ربما العكس قد يكون أكثر صحّة وشيوعًا. كالقول إن الشاعر قد يكون ولا أجزم مشروع تشكيلي كونه أو مطلق أي إنسان يستطيع تعلّم قواعد الرسم وبإمكانه أن يُقدّم عمل فني خاضع للمواصفات والشروط المطلوبة. ولكن الرسام قد يجد صعوبة التعبير بالحرف والعبارة وربما ألفاظه الأدبية والإنشائية غير مطواعة وقد لا تخدمه ببناء هيكل للقصيدة وحبك الجُمل وتجميع المرادفات فيكتفي بالتعبير بصمت باستخدام الإبداع في اللون والمشاهد الصورية وتُقتصر موهبته على فن الرسم دون خوض غمار الشعر.

وجدير بالذكر الاشارة الى قول فريال الصايغ، فنانة تشكيلية "الشعر والرسم صُنوان لا يفترقان:

شعاري لوحات وخيالات من أحلام هربت من هزيع الليل فحاصرها قلمي المترقّب وسجنها في ديوان صباحي بعنوان قميصه الأبيض“. قلمي وريشتي طوع أفكاري، يخدمان مشاعري، إنهما وسيلتان لنفس الغاية، وجهان لعملة ثقافية فكرية واحدة. فالمقطوعة الأدبية واللوحة التشكيلية تتناوبان على تلبية ميولي الفنيّة، فمتى يتعب القلم يُسلّم الدفّة للريشة ومتى أرادت الريشة أخذ قيلولة يستأنف القلم نشاطه وهكذا دواليك فهما على تواصل وانسجام. برق ورعد، مدّ وجَزر."

الفنانة فريال الصايغ فنانة تشكيلية من بلدة صوفر اللبنانية، شاركت في الكثير من سمپوزيومات والمعارض الجماعية المحلية والعربية والدولية، تميّزت أعمالها من خلال الرسم الزيتي والاكريليك، ولها خبرة في فن الحفر على الخشب وتشكيل الباطون، وتدرّس حاليًا مادة الرسم والأشغال اليدوية للطلاب، وهي عضو في العديد من الجمعيات الأدبية والفنية والاجتماعية. وقد أصدرت مجموعة شعرية لها تحت عنوان “قميصه الأبيض”، إضافة إلى كتابة قصص الأطفال.

فالتشكيل هو حب وبعث المشاعر في الألوان ونقل لسان الحال على القماش، وهي بمثابة جسور العبور بين العمل الفني ووجدان المتلقي، وتلِجْ روحه بسهولة كعبور النسيم عبر حرير الستائر في ليالي الصيف الدافئة. ولطالما كانت أغلب الأعمال الفنية تجسد معاناة المشاهد ويشعر أنها تخاطب مشاعره وتحاكي تجاربه وتمثّل واقعه.و الفن الواقعي أساس الفن، ولا تختلف عين الفنان الواقعي عن عين المصور الفوتوغرافي:فالواقعية أساس لكل فنان فهي تُغني مخزونه الفني وتشحن ذاكرته وتمدّه بالخبرة وهذا ما يفسّر النقل الواقعي للمجسمات والموديلات والمحيط عند المبتدئين كي يكسبوا المهارة المطلوبة. أنها المراحل الأولى ومن ثم يشق الفنان طريقه ويأخذ المنحى الذي يرتاح له والمدرسة التي يحب أن ينتمي إليها، ولا أريد أن أنكر هنا موهبة المصور الفوتوغرافي والزوايا التي قد يأخذها بعدسته والترصد للمنظر وسرقة اللقطات المميزة والنادرة. فعين الفنان الجميلة لا تختلف بين مصور أو رسام فكلاهما متذوّق ولكن طبعا نقل المشهد بحذافيره لا يعطيه طابع خاص أو صفة خاصة أو تفرّد.

غزت التكنولوجيا كل ما حولنا برمّته بما فيه فن الرسم فظهر الفن الرقمي بطبيعة الحال الذي يعتبر الآن أحدث أنواع الفنون لسهولة التطبيق، والمهارة العالية، والإبداع في التصميم وإضافة المؤثرات واختزال الوقت…. ولكن، أصالة الفن التشكيلي تكمن في التقليد المُتّبع، ولفن الرسم طقوس عند من يزاوله، وممارسته لها نكهة خاصة وشعور مختلف، ومذاق الترياق لمن يصبو للأبدية. إنه رفع يدك إلى خشبه الخلاص والخلود لمهارتها وحرفيتها والتي هي على الدوام في خدمة مخيلتك الخامة، الصافية الروافد.

أما أهم النقاط التي ينبغي توافرها في اللوحة لتلفت عناية المشاهد فهي: الموضوع، العمق، المنظور، الضوء، اللون، الخطوط، توزيع العناصر، …. كلها نقاط قوة تخدم العمل وترفعه إلى مصاف الرقي والإبداع، ولكن في النهاية، اللوحة يجب أن تكون أنت طالما هي تنتمي لعصمتك وتحمل هويتك ولها بصمتك.

كيف تحدّث الكتّاب والشعراء عن الفنون التشكيليّة، وبأيّة طرق فعلوا ذلك؟ويمكن تقسيم هذه النصوص الى ثلاثة أقسام:فالأغلبيّة السّاحقة منها هي تلك التي ترى في الفنون التشكيليّة مجرّد محاكاة.والثانية هي تلك التي يزعم أصحابها أنهم قادرون على أن يقدّموا في كتاباتهم ما يمكن ان يعادل، ويوازي اللوحة الفنيّة.وأمّا البقيّة منها فهي تلك التي يحاول فيها أصحابها تحيّة أصدقائهم الفنانين، وتقديم بعض التفاسير لمعاني فنّهم. وقد آهتمّ بودلير أبو الحداثة الشعرية في فرنسا، وفي أوروبا، بالرسامين الذين آشتهروا في عصره، وعنهم كتب العديد من النصوص الرائعة.وكان ديلاكروا أكثر من حظي بآهتمام صاحب "أزهار الشر" إذ كتب عنه نصّا طويلا حمل عنوان :”حياة ديلاكروا وأعماله"، وفيه شبّهه برافائيل الايطالي، وبروبانس الفلاندري.وفي القرن العشرين، آهتمّ السورياليّون بالفنون التشكيليّة.

آلتقى ابولينير أيضا بالشاعر والرسام ماكس جاكوب، ومعه كان يطوف في حيّ "مونمارتر، وحيّ "مانبارناس" بحثا عن الرسامين الطلائعيين الذين كانوا قد شرعوا في آبتداع أساليب جديدة لن تلبث أن تفجر ثورة فنيّة هائلة.وفي هذه الفترة، آهتم ابولينير بتجارب كل من ماتيس، وجورج براك، وروبرت دولوناي.وعندما أصبح محررا فنيا في جريدة"العنيد"، أشاد بأعمال هؤلاء، وأيضا بأعمال مارسيل دوشامب وبآخرين.وقد صدرت مقالاته في كتاب حمل عنوان:”تأملات استيتيكيّة".وفي ما بعد، أشار اندريه بروتون الى أن ابولينير منح النقد الفني "وسيلة مسْح ذهنيّة لم يتوفّر عليها منذ بودلير".وأما الناقدة الفنيّة لاورانس كامبا، فقد كتبت تقول:”من خلال عينيّ ابولينير، يمكننا أن نكتشف الاشياء الجميلة والجديدة، وأن نستقبل ظهورها.ويعني هذا أن نبحث عن الروائع والعجائب، وليس عن المعجزات الرخيصة والتافهة المليئة بالحماقات والتي تثقلنا بها وسائل الاعلام الواسعة الانتشار.ويعني هذا أيضا أن نهتمّ بالظواهر الغريبة التي تكون سحريّة مرّة، وكئيبة مرة أخرى لكنها تدخل المفاجأة الى الحياة العادية، والمغامرة في نظاام العالم".

ومن بين الشعراء والكتاب الفرنسيين الذين كتبوا عن الفنون التشكيلية يمكن ان نذكر بول كلوديل، وبول فاليري الذي كان مفتونا بلوحات روبانس التي فيها رسم نساء سمينات، بنهود وأرداف ضخمة.وهناك أيضا سارتر، وجان جينيه الذي كتب نصوصا بديعة عن جياكوموتي، وعن رامبراندت.أما الشاعر والمسرحي أنطونان ارتو ا فقد كان يعتبر نفسه سنوّا لفان كوخ.معه تقاسم الجنون ومحنة الفن!

لماذا غابت المرأة في تاريخ الفن التشكيلي؟ لماذا لا نجد عبر التاريخ الطويل للفن التشكيلي فنانات تشكيليات من النساء إلا في العصور الحديثة؟ إن حضور المرأة في الفن التشكيلي كمُنتج يعد أمراً طارئاً وحديثاً نسبياً، مقارنة بالتاريخ الطويل للتعبير التشكيلي عند الرجل. فالحياة الاجتماعية للمرأة في السابق، كانت محصورة في أدوار معينة، تمنعها من التعبير أو المشاركة الثقافية إلا في حالات نادرة. وعلى الرغم من غياب المرأة كمُنتج للفن، فإنها كانت حاضرة فيه بكثافة بشكل آخر، من خلال تناولها كموضوع للتعبير أو كملهمة للفنان التشكيلي، فهي حاضرة بشكل سلبي من خلال الآخر وتعبيره عنها.
إن الحركة النسوية المعاصرة دفعت الكثير من الفنانات النساء للبحث عن طرق جديدة للتعبير الفني، للتخلص من الهيمنة الذكورية ذات التاريخ الطويل في فن الرسم والنحت التقليديين، لذلك أدخلت الكثير من الفنانات النسويات أدوات وخامات مرتبطة بالمرأة في أعمالهن الفنية، خاصة النسيج المرتبط ذهنياً وتاريخياً بالنساء، كما في أعمال الفنانات غونتا ستولزل وشيلا هيكس.

وتقول الفنانة التشكيلية رويدة عبد الحميد : "أن الحزن يؤثر فيّ أكثر من الفرح ويمنحني قوة أكبر في التعبير.. لأنني أرى في الحزن عمقاً يجعلني أعبر بطريقة عميقة. يمكن لأنني أشعر بأن السعادة سطحية والحزن عميق، السعادة مزيفة والحزن حقيقي فعندما نحزن فبالتأكيد نحن صادقون بحزننا ولكن شعورنا بالسعادة قد يكون مجرد وهم أو كذبة مؤقتة.. الحزن يجعلنا ندخل إلى أدق تفاصيلنا، نغوص فيه ويأخذنا إلى عالم آخر ومختلف كليا وقد يكون في كثير من الأحيان سبباً في اكتشاف ذاتنا، أما الفرح فأنا أشعر بأنه يبقى على السطح."

وتضيف أننا " نفتقد الثقافة الفنية، والشريحة المثقفة فنياً محدودة وصغيرة جداً.. وليس مطلوباً من الناس أن تقرأ فناً بل يكفي أن تحضر المعارض لكي تمتلك ثقافة فنية.. فالثقافة الفنية تأتي من حضور المعارض وحضور الأمسيات الشعرية والموسيقية.. الرؤية والاستماع يجعلاننا ذواقين للفن ولكن للأسف في مجتمعنا لا توجد تغذية للأذن ولا للبصر ولا للعقل، نحن مجتمع ضعيف فنياً بكل ما للكلمة من معنى."

وترى أن للثقافة الفنية دور هام فتقول: " عندما يكون هناك ثقافة فنية لا يكون هناك مشاكل وحروب ولا قتل لأن الفن يحمل رسائل سلام ومحبة، فعندما يكون الإنسان مثقفاً فنياً يكون وعيه أكبر، يكون هادئاً، وأكثر رقياً في التعامل، وأكثر احتراماً لذاته، ولإنسانيته، وللآخر.. فسبب رقي أي مجتمع وتقدمه هو اهتمامه بالفن والشعر والموسيقا"