كتب القدير عبدالسلام الوايل مقالة دافع فيها عن حق الفتاة المكاوية في التعبير عن ذاتها، مبينا أن التنوع والتعدد الثقافي في المجتمع السعودي إنما هو رأسمال ثقافي، أي قيمة إيجابية ضمن القيم الكثيرة التي تحظى بها السعودية.

ووجدت أن المقال، والمعجبون به، والمدافعون عن فيديو الفتاة يقعون في خطأ بسيط، أزعم أنه خطأ لم ينتبهوا له. وهو كالتالي:

تقوم حجة الكاتب على أنه اذا رفضتَ فيديو الفتاة التي عبرت عن نفسها باغنية راب بأنها "بنت مكة"، فإن هذا يعني رفضا للتعددية ورفضا للهويات الداخلية وعدم تقبل ل"الاقليات المهاجرة" ان صحت التسمية. وهذا الربط لا يستقيم، فأنا أستطيع رفض الفيديو واعتباره مسيء، وفي النفس الوقت أثمّن التعددية الثقافية.

وهذا يكون بشرح سبب الرفض، وهو أن الفتاة التي ظهرت بالاغنية المصورة عرضت نفسها باعتبارها متحدثة عن شريحة كبيرة هي "بنات مكة"، وهذا الظهور أغضب نسبة كبيرة من الشريحة المذكورة، والتي إن لم تعرف كيف تصف نفسها في فيديو كليب، فإنها على الأقل لا ترغب في أن يقوم آخرون بوصفها نيابة عنها.


يقول الوايل في نهاية مقاله:

"الفتاة السمراء في كليب “بنات مكة” تقول للعالم: أني أعبر عن بنات أحد المدن السعودية. ليس عن كل بنات تلك المدينة. بل عن بعضهن. عن إثنية محددة داخل التنوعالأثني الهائل في تلك المدينة. ليس عن نمط حياة سائر بنات المدينة. بل عن نمط بنات بعض مجموعاتها، من ضمن أنماط عديدة سُمح لها بالبقاء والازدهار والتعبير عن نفسها."

عدت للفيديو كليب مرة أخرى لأتأكد ان كانت قالت هذا التحديد، تصريحا أو تلميحا، ولكنها لم تقل.

لم تقل أنها تعبر -فقط- عن نفسها ودائرتها الاثنية، ولم تقل أنها تعبر عن "بعض" بنات مكة. بل كان العنوان واضحا والنص صريحا في تعميم الحديث عن شريحة كبيرة اسمها "بنت مكة".

ولنفترض، حسب سياق الوايل، أن في مكة سكان أصليون وآخرون مستقرون، وهؤلاء المستقرون فيهم اثنيات متعددة (الهوسا، البخاري...) وضمن هذه الدائرة الصغيرة من الهوسا ظهرت هذا الفتاة بفيديو كليب راقص تقول فيه أنها بنت مكة وتستعرض بعض مزايا وصفات كونها بنت مكة؛ هذه الفتاة لا تستطيع الزعم بهذا الفيديو أنها تمثل بنات دائرتها الصغيرة (وربما غضب منها المقربون) فضلا عن أنها تمثل الأقليات الاخرى، فضلا عن أنها تمثل المجموع ككل لتقول أنها "بنت مكة" بهذا اللحن والايقاع والاوصاف والرقصات والتعابير وكل ذاك المضمون الفني والثقافي في الفيديو.

لهذا، فإن الفيديو مسيء، باعتباره ادعاءً ثقافيا باطلا واعتداء على حق الآخرين في التعبير عن أنفسهم بالطريقة التي يحبونها، وليس عكس ذلك. وأكاد أجزم أن الفتاة لو غيرت عنوانها الى "بنت أهلي" وقالت ما أرادت أن تقول، فإنه لن يشنع عليها أحد، مالم يعترض أهلها أنفسهم. فمحتوى اليوتيوب السعودي مليء بأغاني الراب والاغاني المحلية الساخرة والجادة، والسنابات والجلسات والشعر كلها غنية بمثل هذه التعددية المقبولة والتي لا تسيء للمجموع.