المبحث الأول :شبهة تشبيه المرأة بالكلب :
زعموا أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن المرأةَ كالحمارِ، والكلبِ الأسود ...
وبعد زعمهم قالوا: هل هذا كلام يخرج من نبيٍّ مرسل من عند الله؟!وهل هذا هو حال المرأة المسلمة؛ مشبها بالحمار والكلب الأسود؟!
واستدلوا على ذلك بدليلين:
1- صحيحِ مسلمٍ كِتَاب( الصَّلَاةِ) بَاب (قَدْرِ مَا يَسْتُرُ الْمُصَلِّي) برقم 790 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ".
2- مسند أحمدَ مُسْنَد الْأَنْصَار حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ برقم 20360 حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ " قُلْتُ : مَا بَالُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَحْمَرِ ؟ قَالَ ابْنُ أَخِي :" سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّه كَمَا سَأَلْتَنِي فَقَالَ : " الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ ".
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن الصامت فمن رجال مسلم .
الرد على الشبهة
أولًا: إن هذا الحديثَ ليس فيه أن المرأةَ مشبهة بالحمارِ، والكلب الأسودِ؛ هذا التشبيه ليس في الحديثِ أصلًا، ولا توجد أداة من أدوات التشبيه وهي الأشهر في أحاديث العرب....كما أنّ المشترك في التشبيه لا يعني المساواة أو المثلية....
فحينما تقول :"أخاف من أبي والكلب". فهل أبوك مثل الكلب؟!
أم أن أباك قد اشترك فقط مع الكلب في حالة خوفك، وليس الكلبُ مشبهًا بأبيك أو مساويا له أو مثله....
ليس ثمة شيء في الوجود إلا وبينه وبين الأشياء الأخرى وجه شبه ، ولو في بعض المعاني المطلقة ، فالإنسان يشبه الجماد في كون كل منهما موجودا مخلوقا ، ويشبه الحيوان في أوجه كثيرة ، فكل منهما كائن حي يأكل ويشرب ويحيا ويموت ، بل يُعَرِّفُ المناطِقَة الإنسان بأنه : حيوان ناطق .
وكذلك بين الإنسان والنبات أوجه شبه كثيرة من جهة حياة كل منهما ، وإثماره ، وحاجته للغذاء ، ونحو ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" كل موجودين فلابد أن يكون بينهما نوع مشابهة ولو من بعض الوجوه البعيدة ورفع ذلك من كل وجه رفع للوجود " انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (7/569) .
ولا يعرف عن العقلاء والمفكرين أن أحدا عد كل أوجه الشبه السابقة عيبا في الإنسان يستوجب الذم والقدح فيه ؛ فهي أوجه شبه إما محمودة ، وإما أنها خلقية لا توصف بمدح ولا ذم .
ثانيا :
التشبيه في اللغة والمنطق يشتمل على أربعة أركان : المشبَّه ، والمشبَّه به ، ووجه الشبه ، وأداة التشبيه .
وإذا طلبنا الحكم على تشبيه معين هل نعده ذما أو مدحا ، فإن من الخلل الاقتصار في النظر على ( المشبَّه به ) ، بل لا بد من النظر في ( وجه الشبه ) أيضا .
وقد ورد عن بعض الصحابة تشبيه فعل نفسه بفعل الدابة ، كما قال عمار بن ياسر رضي الله عنه : " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ ، فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ " رواه البخاري (347) ، ومسلم (368) .
ولم يفهم أحد من الناس أنه يقصد تشبيه نفسه بالدابة من كل وجه ، تشبيها مذموما لا قدر الله ، إذ لا تحتمل لغة العرب ذلك أبدا .
إذن فلا بد من فهم اللغة العربية التي هي لغة القرآن والسنة ، قبل الخوض في هذه الشبهات الساقطة ، التي تدل على جهل تام بالأسلوب العربي . ولا بد من التدقيق في وجه الشبه قبل الاتهام بأن التشبيه ذم للمرأة مطلقا أو قدح لجنس النساء .
ثالثا :
من نظر في الحديث المقصود في سؤال السائل ، وهو حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ) رواه مسلم (511)، علم أن ( وجه الشبه ) المقصود ليس شيئا يتعلق بالصفات السيئة لكل من الحمار والكلب ، أو أن المرأة في درجة هذه الدواب والعياذ بالله ، فهذا من ساقط الظن وتافه القول ، وإنما ( وجه الشبه ) المراد هنا هو : مجرد الاشتراك في فعل معين ، يتعلق بالصلاة ؛ وهو إخراج المصلي عن خشوعه واتصاله بالله سبحانه وتعالى ،وينبغي أن نتنبه إلى أن أصل المرور بين يدي المصلي ، وتأثر صلاة المصلي بمن يمر من أمامه ، كائنا ما كان المار ، رجلا أو امرأة ، إنسانا أو حيوانا هذا كله ممنوع من حيث الأصل ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام في منع الجميع من هذا الفعل المذموم : ( لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ) قَالَ أَبُو النَّضْرِ : لاَ أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً " رواه البخاري ( 510 ) .
بل روى البخاري (487) ، ومسلم (505) : " أن أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ كان فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ ، فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ ، فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنْ الْأُولَى ، فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ ، فَقَالَ : مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ ، يَا أَبَا سَعِيدٍ ؟
قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ) قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : مَعْنَاهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مُرُورِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنَ الرُّجُوعِ الشَّيْطَانُ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ يَفْعَلُ فِعْلَ الشَّيْطَانِ ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ بَعِيدٌ مِنَ الْخَيْرِ وَقَبُولِ السُّنَّةِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالشَّيْطَانِ الْقَرِينُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ( فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينُ ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من "شرح مسلم" (4/167) .
ومن الواضح هنا : أن هذا الحديث عام في كل من أراد أن يجتاز بين يدي المصلي ، وأن قصة أبي سعيد هذه : لا مدخل للنساء فيها البتة !!
رابعا :
إذا كان المرور بين يدي المصلي ممنوعا كله ، سواء في ذلك الرجل أو المرأة ، وإذا كان ذلك يؤثر أيضا في صلاته ؛ فقد ذهب بعض أهل العلم في تأويل القطع المذكور في هذه الأحاديث، إلى أنه ليس المراد به إبطال الصلاة ، وإلزام إعادتها، وإنما المراد به القطع عن إكمالها والخشوع فيها بالاشتغال بها، والالتفات إليها .
قال القرطبي رحمه الله :
" ذلك أن المرأة تفتن ، والحمار ينهق ، والكلب يروع ، فيتشوش المتفكر في ذلك حتى تنقطع عليه الصلاة وتفسد ، فلما كانت هذه الأمور آيلة إلى القطع ، جعلها قاطعة " .
انتهى من " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (2/109) .
وقال ابن رجب رحمه الله ، بعد ما ذكر نحوا من هذا التأويل :
" وأقرب من هذا التأويل: أن يقال: لما كان المصلي مشتغلا بمناجاة الله ، وهو في غاية القرب منه والخلوة به ، أمر المصلي بالاحتراز من دخول الشيطان في هذه الخلوة الخاصة ، والقرب الخاص ؛ ولذلك شرعت السترة في الصلاة خشية من دخول الشيطان ، وكونه وليجة في هذه الحال ، فيقطع بذلك مواد الأنس والقرب ؛ فإن الشيطان رجيم مطرود مبعد عن الحضرة الإلهية، فإذا تخلل في محل القرب الخاص للمصلي : أوجب تخلله بعدا وقطعا لمواد الرحمة والقرب والأنس .
فلهذا المعنى - والله اعلم - خصت هذه الثلاث بالاحتراز منها، وهي:
المرأة ؛ فإن النساء حبائل الشيطان ، وإذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان، وإنما توصل الشيطان إلى إبعاد آدم من دار القرب بالنساء .
والكلب الأسود: شيطان ، كما نص عليه الحديث.
وكذلك الحمار؛ ولهذا يستعاذ بالله عند سماع صوته بالليل ، لأنه يرى الشيطان .
فلهذا أمر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدنو من السترة ، خشية أن يقطع الشيطان عليه صلاته ، وليس ذلك موجبا لإبطال الصلاة وإعادتها ، والله أعلم ؛ وإنما هو منقص لها، كما نص عليه الصحابة ، كعمر وابن مسعود ، كما سبق ذكره في مرور الرجل بين يدي المصلي ، وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدفعه وبمقاتلته ، وقال: ( إنما هو شيطان ) ، وفي رواية : أن معه القرين ؛ لكن النقص الداخل بمرور هذه الحيوانات التي هي بالشيطان أخص : أكثر وأكثر، فهذا هو المراد بالقطع ، دون الإبطال والإلزام بالإعادة. والله اعلم. " .
انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (4/135) .
فالمشترك في الحديث هو إشغال المصلي عن صلاته في بيته وخارجه، وليس هناك تشبيه بين المرأة والحمار والكلب الأسود..
ففي داخل البيت قد تفتن المرأةُ المصلي بتزينها أو بعطرها....
وفي خارج البيت فقد ينهق الحمار عند مروره فيفزع المصلي، وأما الكلب الأسود فيروع المصلي لشراسته المعروفة....
فمرور إحدى هؤلاء الثلاثة قد تشغل المصلي عن صلاته، وذكرت في الحديث بعينها لأنها أكثر الأمور المنتشرة في ذاك الزمان حين يصلي المسلم منفردًًا داخل البيت وخارجه...
ولما تغيرت الأوضاع قليلًا بيّن النبيُّ أن كل من يمر أمام المصلي يقطع الصلاة كائن من كان، ذكر أم أنثى، ووجب على المصلي رده.... وهذا ما سيتقدم معنا -إن شاء الله-.
فتصيدِ الأخطاء ورمي البلاء يدلُ على كراهيتِهم للنبيِّ محمد الناتج عن سوء ظنهم، وقلة علمهم...
ردت عائشةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – الأمرَ وأنكرته بقولها : " شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ...."! لأنها لم تكن تعرف أنه كان في زمن متقدم،ورأت النبي في بيتها على حال غيره...
جاء ذلك في صحيحِ البخاري بَاب ( مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ) برقم 484 عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ فَقَالَتْ :شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النبيُّ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ النَّبِيَّ فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ.
فالحديثُ يبيّنُ أن النبيَّ كان يصلي، وزوجته قاعدة على سريرها، وجزء من السرير سترته، والمكان مظلم، وهو أخشع الناس لله، وأملكُ الناس لشهوته ....
فعائشة أنكرته لما سمعته؛ لأنها رأت فعل النبي معها، ولكن الحديث يتحدث عن المرور أمام المصلي، وهي لم تمر من أمامه، ، ولم تقطع صلاته،
وكان السرير سترةً له...كما أن فعل النبي خاص به دون غيره لما تقدم...
أما قولها " شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ....فقالته وهي غاضبة مكذبة للرواية و رافضة أن تكون المرأة ركنا من أركان الشبيه...
فأركان التشبيه أربعة : المشبَّه ، والمشبَّه به ، ووجه الشبه ، وأداة التشبيه .
فعائشة اقتصرت على النظر في ( المشبَّه به ) ورفضته لغضبها الشديد الناتج عن عدم تصديقيها لما رأت من فعل النبي خلافه –وهي معذورة-...وكان عليها أن تنظر إلى ( وجه الشبه) وهو مجرد الاشتراك في فعل معين يتعلق بقطع الصلاة، وهذا لا يقتضي المساواة بين المرأة وبين الحمار والكلب الأسود....
وكما ذكرتُ في المثال السابق أن (وجه الشبه) هو الخوف المشترك من الأب والكلب، وليس هناك مساواة بين الأب والكلب (المشبه به)....
إذًا : ليس في الحديثِ تشبيه المرأة بالحمار، أو الكلب الأسود ... بل إن ما جاء في الحديثِ ذكر حكمٍ شرعي مفاده أن أكثر ما يؤدي إلى قطع الصلاة؛ المرأة حينما تمر بين يدي المصلي تقطع صلاتَه ، وكذلك الحمار والكلب الأسود ، وقطع الصلاة المذكور ليس قطع بطلان ، ولكن قطع نقصان ؛ أي: نقص خشوع وأجر؛ فبسببِ مرورِ شيء من الثلاثةِ أمام المصلي التي تؤدي إلى القطع، جعلها النبي قاطعة، ثم بين الحديثُ نفسُه سبب قطع الكلب الأسود للصلاة فقال: " إنه شيطان ".قد يسبب حالة من الخوف لدى المصلي لشراسته المعروفة، وكذا الحمار قد ينهق، أو تنبعث منه رائحة كريهة، وفي البيت حينما تمر المرأة أمام المصلي قد يفتتن بها وينشغل فكره بها؛ لاسيما إذا كانت متعطرة أو متزينة.... وليس هناك تشبيه أو مساواة بين المرأة والحمار و الكلب الأسود كما فهم المعترضون.....
ذكرتُ أن الحديث -محل الاعتراض- كان في وقت متقدم ولم تعرفه عائشة، وكانت ترى خلافه في بيتها.... ومع تغير الأوضاع قليلًا نهى النبيُّ عن المرور أمام المصلي منفردًا كائن من كان، ذكر أم أنثى، ووجب على المصلي ردّه....
جاءت أحاديث عدة تثبتُ أن الرجلَ أيضًا يقطعُ الصلاة؛ فهل معني ذلك أن الرجلَ كالحمارِ، والكلبِ الأسود ؟! هذا ردٌ على قولِهم : إن المرأة تقطع الصلاة كالحمار ، والكلب الأسود !
أكتفي بذكر حديثين اثنين:
الأول : صحيح البخاري برقم 3033 عَنْ أَبِي سَعِيدقَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : " إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ شَيْءٌ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَمْنَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيَمْنَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَليُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ " .
الثاني : صحيحِ مسلم بَاب ( مَنْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي ) برقم 782 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ ".
قلتُ : النبيُّ ذكر في بادئ الأمر أكثر ما يشغل ويفتن المصلي عن صلاته منفردًا في بيته و خارجه، ثم زاد على الثلاثة بأن كل ما يمر أمام المصلي يقطع الصلاة، ووجب منعه؛ إن كان منفردًا وليس في جماعة لحديث ابن عباس فالإمام سترة لمن خلفه...
وعلى هذا يزول ما أشكل فهمه ،على من كان الأمر همّه….