عتبات الرواية في "العالقون" تحيلنا إلى الكثير منالدلالات والنتائج. العنوان الفرعي للرواية هو "القصة التي غافلتني وأصبحت رواية"، وهو مقبول لو افترضنا أنه مرتبط بأحداث الرواية كعمل أدبي. أو لضرورة تمهد لفكرة الرواية وتجعل القاريء يفكر في فضائها ويذهب إلى ما خلف السطور، أو لأي غرض في نفس الكاتب ولكن بشرط أن يكون ذلك متصلاً اتصالاً وثيقاً بالعمل نفسه، وعلى أقل تقدير أن تكون هناك فكرة عامة تبغي الكاتبة إيصالها وهو ما يمكن للقارئ أن يستشفه من العنوان الفرعي. في الصفحة 7 تنسف تلك الفكرة والمعنونة بـ: البداية. حيث تتحدّث فيها الكاتبة عن نفسها وتساؤلاتها أو قد يكون تخبّطها في تصنيف الأجناس الأدبية، ويتضّح ذلك من سؤالها: "ماذا نطلق على ذلك العمل الأدبي الذي يكون أطول من القصة وأقصر من الرواية؟"، وتبيّن أنّ هذا الموضوع بات يشغلها وهل هو "قصة طويلة أم رواية قصيرة؟"، ولم تجد لهجواباً حتى عندما سألت معلمتها "ذات طفولة"، وأصبح يؤرقها وتفكر فيه مما جعلها تقدم على كتابة "عمل أدبي أطول من القصة القصيرة وأقصر من الرواية"! وتوضح الكاتبة أنها لم تنجح في ذلك لأن: "القصة امتدت حتى أصبحت رواية"!! وهذه الصفحة تبيّن بل تؤكد جهل الكاتبة بالأجناس الأدبية والفروقات بينها، وغاب عن بالها بأن لكل جنس أدبي معايير تخصّه ويختلف بها عن الأجناس الأخرى وليس (الحجم) هو الأساس الوحيد الذي تقوم عليه الفروقات بين الأجناس الأدبية.
تذكرت نكتة عن أحد أراد أن يكتب رواية فكتب في أول سطر: "ركبت على ظهر الحمار"، وملأ مئات الصفحات بـ: "طراخ، طراخ، طراخ"، وأنهاها بـ: "نزلت من على ظهر الحمار". فهل في هذه الحالة نستطيع أن نسمي العمل رواية؟! إن كان الحجم أو الطول هو الأساس كما تبين الكاتبة فهي رواية بامتياز، وحقيقة أراها أفضل من العمل الذي بين يديّ لأنني ألمح فيه إبداعاً يفوق ما قرأته، فالعالقون مليئة بتناقضات فاضحة يشيب لها الشعر. جعلتني أودّع الباقي من الشعر الأسود في رأسي. ذكرت في بداية الصفحة: "الصفحة التالية هي بداية هذه الرواية أو القصة الطويلة كما أردتها أن تكون"، وفي آخر الصفحة نفسها: "هذه القصة امتدت حتى أصبحت رواية"! لنضيع مع الكاتبة في تيهها ولا نعرف ما الذي أرادته بالضبط هي التي تسقط جهلها في هذه الأجناس الأدبية على الجميع. وأرى بأن فيهذا الأمر إهانة لقرائها وتعميم جهلها على الجميع. تقول: "فنحن اعتدنا تصنيف الأعمال الأدبية الشبيهة بالحكايات إلى رواية أو قصة قصيرة"!! عدم علمك بالشيء لا يعني أنّ الجميع مثلك أو أنه غير موجود بالأساس، واعتيادك أنت لا يعني بأن الأمر صار واقعا على الجميع فتضعهم معك في المجموعة نفسها وتتحدث بصيغة الجمع وتقول: "نحن". التعميم أول الجهل. والكاتبة تسهب في التعميم في قصتها التي امتدت لتصبح رواية وذلك في محاولة منها للتأثير على مشاعر القراء. تذكر في صفحة 38: "هكذا نحن نبكي أكثر حين نكون في حالة حزن ونرى المقربين إلينا".
وعتبة الرواية أثّرت بشكل كبير في جسدها، وساعدت في ولادتها كمسخ، لأن جسد الرواية عنصر مهم من معايير كتابتها، وأحد ركائز العمل الروائي بجانب السرد والحكاية. فيجب أن يكون الجسد متوازناً محكوماً وليس مسخا إلا إن كانت هناك ضرورة في العمل الروائي نفسه يدركها الروائي ويقوم العمل على أساسها، فلا يهم مقدار الجهد الذي قام به الروائي أو تساؤلاته أو أي أمر آخر إن لم يكن ذلك منصب في العمل نفسه ويخدمه، وما أراه أن كثرة العتبات في الرواية ما هو إلا نوع من التسول الرخيص للقراء حتى يهتموا بالرواية ويعكس ذلك ضعف شخصية الكاتب وعدم ثقته بنفسه وبمنجزه الأدبي ما يجعله يستجديالقراء ويبين لهم ويرسم خطاً قد يلهيهم عن الأخطاء التي في الرواية لأنه ببساطة "تعب" وتشتت، وكل هذا الكلام بإمكان الكاتب قوله في الندوات أو المقالات أو في أي مكان آخر ما عدا الرواية نفسها. ونلحظ أن الكاتبة تهشم الرواية في وسطها بالإضافة إلى العتبات، ففي الصفحة 65 المعنونة بـ: "لحظة يا صديقي"، وهو أسلوب كلاسيكي عفا عليه الزمن من جنس عزيزي القارئ، فبعد كل عتبات البداية تعود لتقول لنا: "فبعد هذه الورقة ستكون البداية الحقيقية لهذه الرواية"، وتذيلها بشهرزاد. وتعود لذلك في نهاية الرواية في صفحة 291: "