للروايات التاريخية متعة خاصة فهى تأخذ القارئ لعالم يدرك أنه كان موجوداً بالفعل، وأن أحداثه ليست مجرد خيال حيث تعود الشخصيات الشهيرة للحياة وتتحدث، تحب وتكره، تخون وتصدر قرارات ربما تكون السبب فى شكل عالمنا الحالى. وتعد الكاتبة الإنجليزية «فيلبا جريجورى» ملكة فى بلاط أدب التاريخ الإنجليزى. وتتصدر رواياتها الست عن أشهر ملوك وأميرات إنجلترا قوائم مبيعات الكتب فى أوروبا والولايات المتحدة حيث التقطت هوليوود واحدة من هذه الروايات وهى the other bolyen girl التى تدور حول الملك هنرى الثامن وعلاقته بعشيقته آن بولين، وحولتها إلى فيلم سينمائى شهير للنجمين نتالى بوتمان واريك بنا
فيلم ابنة بولين الأخرى The Other Boleyn Girl من الأفلام التي أثارت جدلاً كبيراً بين من يعتقد أن الفيلم تحفة فنية، ومن يعتقد أن الفيلم فشلٌ ذريع، وإهدارٌ لميزانية كبيرة في قصةٍ سخيفة بإخراجٍ رديء، وتمثيل أكثر رداءة. الفيلم مأخوذ من رواية تاريخية بذات العنوان للمؤلفة البريطانية فليبا غريغوري التي عملت كمستشارة فى الفيلم.فيلم ابنة بولين الأخرى خدعةٌ محضة. كان يمكن له أن يكون فيلماً عميقاً، لكنه تحول إلى مجموعة صورٍ متحركةٍ لشخصياتٍ لا عمق لها، وقصةٍ عنيفةٍ وصاخبةٍ تخلو من المعنى.
أعتلى الملك هنري الثامن العرش عام 1509 عن عمر يناهز الثامنة عشرة أقوى ملوك «آل تيودور» تربى في أحضان الثقافة الكاثوليكية روحيًا وعلميًا، حتى أنه كان يمثل أحد أقوى الملوك المؤيدين لهذا المذهب المسيحي المنتشر، وقد وصل ارتباط الملك الشاب بالكنيسة أنه قام بالرد على كتب مارتن لوثر لحماية مبادئ الكاثوليكية من حركة الإصلاح، وهو الأمر الذي جعل البابا يمنحه لقب «حامي الإيمان» حيث كان الملك الشاب مفوهًا وعالمًا في اللاهوت، ولكن والد الملك كان قد فرض عليه أن يتزوج من أرملة أخيه كاترينا دي أوريجون، والتي أنجبت له الأميرة ماري، ولكنه كان في حاجة إلى ولي عهد يخلفه من بعده ويبعد شبح الحرب الأهلية، وكانت الملكة تكبر الملك بأكثر من خمسة عشر عامًا، بالتالي كان الملك يرغب في الطلاق، ولكن بما أن الطلاق مُحرمٌ في الديانة المسيحية، فإنه سعى لإلغاء الزواج من الأساس، وهو أمر لم يكن صعبًا في الظروف الطبيعية لكثير من الأمراء والملوك في ذلك الوقت، خاصة وأنها كانت زوجة أخيه، ولكن البابا كان في موقف صعب للغاية لأن الملكة كانت خالة الإمبراطور الروماني المقدس «شارلز الخامس»، لذلك رفض البابا منح ملك إنجلترا إبطال الزواج.
واقع الأمر أن بعض الأساقفة من أمثال مورتون، وواهرام وفيشر كانوا رجالاً على خلق رفيع، ذوي مقدرة عظيمة، وكان كثير من الآخرين منغمسين جداً فيما تتيحه لهم الأسقفية من حياة وادعة، فلم يستطيعوا أن يدربوا اتباعهم من رجال الدين على الكفاءة من الناحية الروحية، وكذلك على المثابرة في تدبير المال. وربما كانت أخلاقيات الجنس عند القساوسة أفضل مما هي عند زملائهم في ألمانيا، ولكن لم يكن ثمة مفر من وجود حالات من التسري بين رجال الدين، ومن الزنا والسكر والجريمة في الأبرشيات البالغ عددها 8.000 في إنجلترا. . وما أن حل عام 1500 حتى كانت الكنيسة تملك، وفقاً لتقدير كاثوليكي محافظ، حوالى خمس الأملاك بأسرها في إنجلترا(25). وحسد النبلاء هناك كما في ألمانيا رجال الدين على هذه الثروة وتلهفوا على استعادة الأراضي والدخول التي تنازل عنها لله أسلافهم الأتقياء أو الخائفون
كان هنري الثامن من أعتى ملوك إنجلترا وكان قد وقع بالفعل في غرام إحدى الوصيفات وتسمى «آن بولين» وعقد العزم على الزواج منها، وإذا ما كان الطلاق غير ممكن من البابا، فإنه ليس مستحيلاً على كبير الأساقفة، فلقد استغل الملك وفاة كبير الأساقفة وعين كرانمر أحد أعوانه بدلاً منه حيث تم الاتفاق على قيامه بهذه المهمة، فكان هذا هو أول انشقاق حقيقي بين البابا والكنيسة الإنجليكية، وبالفعل تزوج الملك من آن بولين والتي أنجبت له الأميرة إليزابيث التي حكمت بعد ذلك، ولكن العلاقة لم تستمر طويلاً حيث تعددت العلاقات الحميمة للملكة مع رجال القصر، فكان مصيرها المحاكمة والإعدام، ولكن ليس قبل أن تتسبب في فصل العلاقة بين الكنيستين، فلقد جاء رد فعل البابا سريعًا حيث قام بحرمان الملك أي إعلانه خارجًا عن الملة وكانت هذه الخطوة في حد ذاتها كفيلة بكسر كثير من الملوك الأوروبيين على مر العصور، ولكن هذا لم يحدث من هنري الثامن، فلقد قرر قطع كل الروابط بكنيسة روما في عام 1534 حيث قرر أن يستقل بالكنيسة ويصبح هو رئيسها لأول مرة في تاريخ التجربة الكنسية، وقد جمع البرلمان الإنجليزي والذي أصدر القوانين اللازمة لذلك، كما أصدر قانون الخيانة والذي بمقتضاه يتم إعدام كل من يتكلم ضد هذا المرسوم الملكي، كما أصدر البرلمان قانونًا آخر يتضمن الحفاظ على الأركان الأساسية للمذهب الكاثوليكي على غير الحركات الإصلاحية في القارة الأوروبية، فموقف هنري الثامن لم يكن هدفه تغيير الملة أو المذهب، بل كان هدفه واضحًا وهو السيطرة على الكنيسة.
وردًا على موقف البابا في روما، لم يتوان الملك عن اتخاذ الخطوات الإضافية، فسرعان ما أصدر قراراته بتأميم الأديرة في إنجلترا، وقد كانت هذه خطوة جريئة بحق كفلت أموالاً طائلة لخزانة الدولة استخدمت في الأساس لتقوية البحرية البريطانية واستمالة الطبقة الوسطى التي كانت تساند الملك فضلاً عن تغطية تكاليف القصر الملكي العالية للغاية
لقد غير الملك مذهب غالبية شعبه من أجل قصة حب انتهت باتهام زوجته بالزنا فيما بعد، ولكن ليس قبل أن تسفر عن أمرين غاية في الأهمية كما سنرى، الأول، هو دخول الدولة في حرب أهلية / مذهبية بعد مماته، والثاني، أن زيجته أسفرت عن طفلة لم تملك من الجمال كثيرًا ولكنها ملكت من الحكمة ما جعلها تضع بذور القوة السياسية والعسكرية البريطانية والتي كفلت لها أن تكون الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، وهي الملكة إليزابيث الأولى
وهنا يلاحظ أن هذه الحالة الأولى التي يقوم فيها ملك وبرلمان بتغيير ملة الدولة بهذه البساطة، ولكن ما أسهم في استيعاب أمر التغيير كان كراهية الطبقة الوسطى لسلطان البابا المتفشي في البلاد، فضلاً عن أن الملك تعمد عدم إجراء تعديلات فقهية على أسس الكاثوليكية، فكان له ما أراده دون ثمن باهظ، فعلى الرغم من وجود بعض المعارضة خاصة في الشمال، فإن رجال القصر استطاعوا بقدراتهم ودهائهم استيعاب الأمر تدريجيًا دون تقديم التنازلات المتوقعة.