بقلم: محمد دومو
العالم الافتراضي
كم جميل لو كان هذا العالم الافتراضي منظما أو استعمل من أجل أغراضه المرجوة منه سالفا، هذه الاخيرة قد تعود على مستعمليه بالمنفعة الفعالة، ولكن أمور الأشياء، بغريزة الإنسان النفسية وشهواته العابرة الغير متناهية، قد أزاحت هذا العالم الافتراضي عن مزاياه المفكر لأجلها في البداية، لتعانق اخرى اكثر اساءة و مضرة، نابعة من حالة نفسية دفينة اصبح التحكم فيها صعب في هذا الزمان. وأصبح الإنسان مدفوعا بشهواته الى مجموعة سلوكيات غير عقلانية، فاستقال العقل عندنا في هذا الزمان.
لقد أصيب الإنسان، لسوء تدبيره هذا العالم البديل، بالإحباط وما شابه ذلك من مساوئ ومآسي..
أصيبت الإنسانية جمعاء بنصيب السوء من عدم حسن التفاعل مع هذا العالم الغريب عليها. فأخرج الجميع من عالمهم الواقعي عن طريق وهمهم بهذا البديل الساحر، والجميل في مظهره، ولكنه غير واقعي، فشتان ما بين الواقع والخيال، فلا واحد من هذه العوالم يعوض الآخر. كان لزوما على الإنسان ليبقى متوازيا، أن يعادل ما بين هذه العوالم، ويعرف حدود كل واحد منهما أين تبدأ وإلى أي حد تنتهي، فلا بعالمه الواقعي يقتصر في إقصاء العالم الافتراضي، ولا حتى ايضا بعالمه الافتراضي يبالغ ملغيا العالم الأصل.
وبهذه الكيفية قد يكون الإنسان، إذا صح تعبيري في مواكبة التقدم العلمي والتقني من جهة وغير خارج من عالمه الواقعي من جهة أخرى، وبالتالي يكون متوازنا في جميع الأحوال، وعلى كل المستويات.
الا ان العكس هو الذي حصل ويا للأسف الشديد، تبدلت أمور كثيرة. تبدل الكلام من حوار فعال وما قد تحمل الكلمة من حياة في شتى أبعادها الروحية، الاجتماعية، والنفسية…
الى مجرد دردشة عابرة، نابعة من نزوة آنية غير واعية وغير منظمة. وأصبح معظم الناس يستعملونها من أجل سد فراغ حاصل لديهم في حياتهم الواقعية، ليعوضوه بآخر أكثر سهولة وسلاسة ولكنه يخبئ في طياته خطورة غير مرئية. وبالتالي يتيه المرء في فضاء افتراضي لا منتهي. لقد ألغي القريب وعاد البعيد قريبا عندما استعملنا هذا العالم الفتاك والمدمر للعلاقات الاجتماعية..
ما هذه الفوضى التي حلت بالإنسانية؟
لقد أصبح الإنسان اخيرا مجرد صورة او دردشة عابرة غير مسؤولة، واختزلت روح المرء هذه الأيام في عدة صور ودردشات فاين الإنسان هنا؟
ولما حكمنا على أنفسنا بهذا الحكم القاسي؟
ألا ينبغي أن يبقى الإنسان مكرما كما كان أو كما خلق؟
استطاع هذا العالم الافتراضي أن يستهوي معظم او كل الناس، و بكيفيات متفاوتة الخطورة، فمنهم من سبب لهم أضرارا عديدة وهم لا يعلمون ذلك، ومنهم من أقصى عالمه الحقيقي بصفة نهائية، و أصبح يعيش في أحضان هذا العالم البديل، عالم التيه ولا شعور بالحياة وجمالها، وخصوبة أنشطتها. فما أجمل، وما أحلى الحياة في عمق واقعيتها، وما أجمل العيش في بساطة الاشياء.
خطر موت معنوي للإنسان أصبح واردا ان لم ننتبه لهذه الأخطار وما قد تحمله من أضرار على استمرارية الإنسانية في هذا الكوكب. لقد عاد لزوما على الإنسان أن ينتبه لمثل هذا المرض الفتاك. مرض يقضي على الأخضر واليابس، فلقد أصبحت الإنسانية قاب قوسين أو أدنى من الزوال والفناء إذا ما استسلمت لهذا الوباء.
فهلموا جميعا لمحاربة أو لتقنين هذا العالم الدخيل على نمط حياتنا، ولنتجنذ من اجل حماية الإنسانية من التلف والانحلال،
فكلنا مسؤولون أمام هذا الغزو الشرس والفتاك في آن واحد.