موقف امرأة ضعيفة وحيدة في وادٍ خالٍ بين الجبال الموحِشة، لا تملك سوى سِقاءٍ فيه ماء، وجرابٍ فيه تمرٌ، تركهما لها زوجها إبراهيمُ - عليه السلام - وقَفَا منطلقًا، تبعتْه أُمُّ إسماعيل فقالتْ: يا إبراهيم، إلى من تتركنا ها هنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! وهو لا يجيبها ولا يلتفت إليها، حتى قالتْ: آلله أمرَك بهذا؟ قال: نعم، قالتْ: إذًا لا يضيِّعنا.
لسان حالها وطريقنا في سبيل الله الذي نقطعه جميلًا مهما كانت وعورته ووحشته..
فكان اسمها قرين الفرج، من وادٍ بلا ماء ولا زرع إلي قلوب تهوي وتحن ملايين من البشر إليه يشتاقون إليه!
فأي قلبًا كان قلبها وأي توكلاً كانت عليه، والله كلما ذكر اسمها انقشعت سحائب الحزن، وخفت لجج اليأس، يهتف لي قول الملك "لا تخافوا الضيعة"
يحضر لي سعيها بين الصفا والمروة صُعوداً ونزولاً بين الصفا والمَروة، غاية أملِها "قطرة ماء"، فجاءَها نبعُ زمزمَ الذي لم ينضب حتى اليوم؛ هكذا فَرجُ اللهِ حين يأتي.. عظيمًا جارفًا لايقف ولا ينضب..
وانظر في حال صلاح ابنها لما قال لأبيه "يا ابت افعل ماتؤمر" ذلك التوكل ليس غريبًا من الابن الصالح ابن الصالحين
قوة هاجر كانت في قلبها، حين أحسنت الظن بربها وتوكلت عليها، ومهما كانت الأمور معقدة وشبه مستحيلة، الله العظيم قادر.. وكان في توكلها بين الجبال الموحشة والأرض الخالية الأمن والنصرة والعناية والتأييد من الله،
فهمها ضاقت ستفرج، فكسرك لا يجبره إلا لطفه وحنانه ، وفقرك لا يغنيه إلا عطفه وإحسانه ، وروعتك لا يُسَكِّنها إلا أمانه ، وذلتك لا يعزها إلا سلطانه ، وأمنيتك لا يبلغنيها إلا فضله ، وحاجتك لا يقضيها غيره ، وكربك لا يُفرّجه إلا رحمته ، وضُرّك لا يكشفه إلا رأفته ، ولوعتك لا يُطفئها إلا لقاؤه ، وشوقيك إليك لا يهدأه إلا النظر إلى وجهه، وقرارك لا يَقَرُّ دون دُنوك منه، ولهفتك لا يردها إلا رَوْحه ، وسقمك لا يبَرّأه إلا صفحه ، ورَيْن قلبك لا يجلوه إلا عفوه ، ووسواس صدرك لا يزيحه إلا التوكل الصادق عليه ..
فاللهم صدق هاجر، وظن هاجر، وعزم هاجر، وتوكل هاجر، اللهم قلبًا هاجريًا متوكلًا مطمئنًا
مشرقًا سماؤه بطاعتك شعاره "لن يضيعنا الله"