يمثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) مستوىً متقدماً في مسيرة تطور مؤسسات التعليم العالي التي عنيت تاريخياً بحفظ وتطوير المعرفة وحتى ظهور الجامعات الريادية التي تستهدف تفعيل المعرفة لأغراض اقتصادية من خلال الجمع بين البحث والتعليم والابتكار الصناعي والتأثير على التنمية الاقتصادية الإقليمية. وقد دافع نائب رئيس معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ڤانيڤار بوش عن هذا النموذج الريادي الذي انتقل إلى جامعة ستانفورد بعد الحرب العالمية الثانية من خلال طالبه فريدريك تيرمان كما ذكرنا في تدوينة سابقة.
منذ عام 1950، وبعد فترة وجيزة من إعادتها لتعريف التعليم الهندسي ، كانت ولا تزال استراتيجية إم آي تي أن تصبح مؤسسة تعليمية عالمية ذات علاقات عميقة مع شركاء البحث العلمي في العالم أجمع . كان تركيزها على ريادة الأعمال واضحاً من خلال ظهور وانتشار الشركات الناشئة التي استوطنت طريق 128 قرب بوسطن مما شجع المتحمسين له على تسويق هذا النموذج إلى العالم النامي. كان التصور الذهني السائد هو " أن الهندسة الحديثة ، مثل الرأسمالية الحديثة ، عالمية وخطية بشكل أساسي. سيتقدم الأقل تطوراً فيها بالتعلم و محاكاة الأكثر تطوراً ". على الرغم من كل ذلك الحماس ، فإن تجربة إم آي تي في تصدير نموذجها التعليمي إلى مناطق مختلفة في العالم جاءت بنتائج مختلطة لكنها تطورت ونضجت عبر الزمن. سنستعرض في التدوينات المقبلة على عجالة تجربة إم آي تي في بناء الشراكات التعليمية في كل من الهند وإيران والبرتغال وبريطانيا وسنغافورة.
شاركت MIT في الهند خلال الستينيات في تأسيس جامعتين وذلك بطلب من الحكومة الهندية لبناء مؤسسات تعليمية ذات مستوى عالمي مع بيئة محيطة مماثلة لبوسطن أو ستانفورد . فتم إنشاء المعهد الهندي للتكنولوجيا (IIT) في كانبور على غرار معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتعزيز العلوم الهندسية وإعداد العلماء والمهندسين للوظائف التي لا يمكن أن توجد إلا في الولايات المتحدة أو أوروبا. نجحت IIT Kanpur في أن تصبح مؤسسة تعليمية مشهورة عالميًا تصدر 80٪ من خريجي علوم الكمبيوتر إلى الولايات المتحدة مما تسبب في تسارع في هجرة الأدمغة من الهند بدلاً من تقليصها، حتى سادت مقولة: " أن الطالب عندما يقبل في معهد كانبور تهاجر روحه إلى أمريكا ليلحق بها جسده بعد تخرجه". ولكن وفقًا لدراسة حديثة ، فقدانخفضت هجرة الأدمغة إلى 40٪ مما ساهم في ظهور روح الهند التكنولوجية والريادية ونموها الاقتصادي المطرد . أما الجامعة الثانية فكانت معهد بيرلا للتكنولوجيا والعلوم (BITS) والذي ، استنادًا إلى رؤية مؤسسها رجل الأعمال الصناعي جي دي بيرلا، كان تركيزه محلياً لتطوير مهندسين حقليين للمصانع المحلية الذين يتحملون مسؤولية تحديد وتنفيذ الحلول في المجتمع الهندي بالمواد الهندية والعمال الهنود. ساعدت BITS بنجاح في تعليم كبار مهندسي الهند وأبقت خريجيها في وطنها على حساب تحقيقها لسمعة ومكانة دولية عالية لم تكن تعبأ أساساً للوصول إليها.