عرضت الولايات المتحدة الأمريكية ما قيمته ستون مليار دولار لشراء تطبيق تيكتوك، ما يعادل احتياط الصرف للكثير من الدول، فالجزائر مثلا احتياطها يصل الى 75 مليار دولار، بينما أمريكا تعرض ما يعادل تقريبا هذا المبلغ لشراء فقط تطبيق يبدو في الظاهر أنه فضاء للتفاهة والرقص والميوعة، فلماذا تريد أمريكا شراء هذا التطبيق؟ هل من مصلحتها نشر التفاهة والميوعة والانحلال؟ وما الفائدة الاقتصادية من هذا التطبيق؟ هذا ما سأحاول تبيانه من خلال الأسطر القليلة التالية.

أولا ما هو تيكتوك؟ في ظاهره هو فضاء للتفاهة والرقص ولا يحمل أي رسالة أو هدف غير فتح مجال افتراضي للرقص والتفاهة، ويعرف كذلك على أنه تطبيق محمول لمشاركة مقاطع الفيديو القصيرة (عموديًا ومن بضع ثوانٍ إلى بضع دقائق) والصور وشبكة اجتماعية، تم إطلاقه في عام 2016. تم تطويره من قبل شركة ByteDance الصينية للسوق غير الصينية ومقرها في الصين.

وقبل كل هذا المعروف ان التطبيقات الاجتماعية بإمكانها اختراق الأفراد وبطريقة قانونية والتجسس عليهم ويظهر هذا بوضوح في الخوارزميات التي تربط أي فرد بما يريده، في حالة ابدى رغبته في منتوج ما او مادة او موضوع فتبدأ صفحات تلك المواد او المنتوجات تظهر على صفحته، كل مرة يدخل فيها ذلك الشخص فيها على التطبيق.

فمثلا تطبيق showcaller، كاشف الرقم المجهول يتجسس على الأفراد ويستخدم بياناتهم لأغراض سواء تجارية او حتى أمنية والطريقة القانونية تتمثل في التصديق على تصريح للتطبيق يسمح من خلاه بان يأخذ البيانات قبل استخدام التطبيق، ويظهر الاختراق والتجسس في حالة الدخول مثلا على فايسبوك وذكر أي منتوج يبدأ الظهور في كل مرة مما يعني ان هناك من يتجسس عليك، وعليه فالفايسبوك يتجسس على الأفراد ويخترق الافراد، بينما تيكتوك يخترق المجتمعات، كيف ذلك؟ تصور ان كان لديك مليون متابع فأي كلمة منك قد تؤثر في متابعيك، وقد تحدث هزة اجتماعية، ولعل كل الجزائريين يتذكرون كيف أن المدعو ريفكا نشر على حسابه في تيكتوك انه سيحتفل بعيد ميلاده في العاصمة بمقام الشهيد ويدعو كل متابعيه لحضور الحفلة، فلبى النداء المئات ان لم يكونوا ألاف وغص بهم مقام الشهيد وأغلقت كل الطرق التي تمر من المكان وبالتالي إمكانية حدوث اضطرابات بسبب فقط الازدحام.

وعليه فهذا التطبيق بإمكانه هدم أسس المجتمعات وتغيير مبادئها والدليل ما نراه فانتشار الرذيلة والميوعة بشكل فاضح سببه هذا التطبيق فلم يكن مسموح لأي بنت حتى وان كانت منحرفة ان تظهر على العلن بمظهر فاضح، اليوم بنات ينتمون لعائلات محافظة وتراهم يرقصون ويتمايلون على فيدوهات منشورة على التيكتوك، بالإضافة الى فيدوهات اللايف او المباشر حيث يتبادل الكثير محادثات صادمة بفعل كثرة الكلام الفاحش والدعوة الى الزنا والرذيلة على المباشر وبوجوه مكشوفة.

على الصعيد السياسي بإمكان تيكتوك ان يغير الآراء السياسية للناس من خلال خوارزمياته التي تبدأ في قراءة الفرد وميولاته السياسية من خلال ما ينشره، وفي كل مرة تظهر امامه فيديوهات تعمل على تغيير رأيه حول قضية ما، وسرعة التأثير تكون حسب درجة وعي الانسان ودرجة تعلمه وقوة ايمانه بما ينشر.

وقوة التأثير تأتي من خلال التكرار للفيديوهات فلو بقيت مع فيديوهات التفاهة لمدة طويلة فتأكد انك ستتحول الى تافه لا يصدر منه الا التفاهة وقس على باقي الميادين والمجالات، من جهة أخرى يعمل هذا التطبيق على تعويد الناس على قصر ما يرونه فمع الوقت والتكرار يصبح ميل شديد لدى الانسان المتابع لتلك الفيديوهات القصيرة لعدم قدرته على متبعة فيدوهات طويلة أو حتى أفلام طويلة أو قراءة كتب وهذا هو الخطر فالتعود على فيدوهات قصيرة يعني التعود على معلومات مبتورة من سياقها لتصبح مع الوقت هي كل المعلومات التي وصلت اليها وعليها تبني كل أراءك وبالتالي يصبح هدم المجتمع سهل ومتاح، وهذه واحدة من أخطر أدوات الحرب الناعمة.    

الدكتور نجيب ب.