حسن المطلب في {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة:٥].

وعبادته تعالى مقصوده من خَلْقِهِ خَلْقَهُ. ولا تكون إلا على أساس شرعي خال من الابتداع ناء عن إعتمالات العقول، ومآلات الظنون. وإنما من وحي لا تكون معه إلا صافية، ومن نص لا تشوبه معه شائبة.

وليس يكون ذلكم إلا اتباعا لرسول، أخبره ربنا الرحمن خبره عن مسالك العابدين، ومدارج السالكين لربهم الرحمن سبحانه، أو انتهاجا لقول نبي أنبأه الله تعالى خبرا عن أولاء المخبتين.

ومنه كانت العبادة توقيفية لا مجال لإعمال الرأي فيها.

ومنه أيضا كان لزوم الرسالات كيما لا يتأتى لمتقول قول، ولا يبقى لزاعم حجاج، فتأمل .

وما وقع في الناس من بدع إلا لسبب عدم علمهم بذلكم أصل .أوقَلَّ اهتمامهم به إن شئت فقل.

وقوام ذلكم الأصل أن الناس مربوبون لربهم، وهو سبحانه وحده الذي يعلم صلاحهم فدلهم عليه، وهو سبحانه وحده الذي يعلم فسادهم فنهاهم عنه. بعد أن قد بينت شريعته أسباب الصلاح دقها وجلها، وكذا ما أبانته من مسببات الفساد، فأبانته أطلق بيان، إراحة للأذهان، وتيسيرا على الإنسان!

لكن الإنسان هو الإنسان! أبى إلا أن يحشر نفسه فيما قد كفاه الله تعالى مؤنته! ذلك لأنه سوف يكون كحاطب ليل فيجمع غثا بسمين، ويخبط بينهما خبط عشواء، فلا هو قد اهتدى، ولا هو قد كفى نفسه ما قد كفيه، لينهض أداء لرسالته المرسومة عبدا موحدا قائما بالحق، وبه يعدل. ذلكم الحق الذي قد أبانته الشريعة، وذلكم العدل الذي قد فصلته الديانة.

وعبادته تعالى بدليل. ومن أجل ذلكم أرسل رسله، وأنزل كتبه، رحمة بالعباد.

ومنه لا يسوغ ادعاء بجهالة كيفية العبادة، ومقصودها التوحيد، كما أنه لا يسوغ أيضا زعم بسلوك سبيل التنكب والابتداع.

وتقدمة الثناء على الله تعالى ضرورة. إذ كان أدبا معه تعالى أن يتقدم ثناؤه على دعائه. فذلكم قمن أن يستجاب لعبد قد انطرح بين يدي خالقه راجيا رحمته ومبتغيا هداه. كما في(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۞ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ۞ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة:2-4].

ومنه أفيد تقدمة ثناء على المخلوقين ائتلافا لنيل المرغوب أو دفع المرهوب.

وتقدمة الثناء، والانطراح بين يديه تعالى إنما يكون بأسماء الرحمة والثناء والجمال ومنها (الرحمن، الرحيم، العفو، الغفور)،لا بأسماء الكبرياء والجلال ومنها(العزيز، الجبار، المتكبر).  

ومنه أفيد ذكرا حسنا لمن كانت لديه حاجتنا، وثناء جميلا لمن نخاطب. فذلكم أدعى للتأليف، وهو قمن بالجواب بإذن الله تعالى.

وتعداد أسمائه تعالى، وتضافر دعائه بها أقوم. وتكاثر الذكر بها أرجى لإجابة الرب الرحيم عبده. ألم تر أن الله تعالى قدم بذكر أسماء (الرب - الرحمن - الرحيم ).دليلا على اللهج بها أمام بابه، والانطراح بذكره بين يديه سبحانه. ليجيب بذلكم مضطرا، أو أن يغيث بذلكم ملهوفا؟!

والتوسل إليه تعالى بعبوديتنا له أرجي للقبول، وأدعى للإجابة. كما أن توسلنا إليه تعالى بأسمائه وصفاته دال على كمال الصدق في الطلب، وصدق الانطراح بين يديه سبحانه.

والهداية أسمى المطالب، وأعلى الرغائب. ومنه تقدم ذكر ثنائه تعالى على طلبها، والدعاء بها.

وإنما تقدم بين يديها ذكراختصاصه تعالى بالعبادة وبيان تخصيصه تعالى بالاستعانة به وحده.

وليست التقدمة بالثناء كانت بكافية إذن. وإنما لزم تدعيمها بإجراء عملي. وكان ذلكم الإجراء العملي هو اختصاصه تعالى بعبادة العبد له، وكذا استعانته به تعالى وحده، إمعانا في توحيده، وإمعانا في صدقه فيه معا.

وما كان لعبد أن يعلم ذلك من تلقاء نفسه. فلزمه إذن الدليل ووجب في حقه ذلكم التنزيل، بإلهامه أن يقول(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۞ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ۞ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ۞ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ۞ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۞ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ )[الفاتحة:2-7].