لماذا نشعر بالذنب طوال الوقت؟

الطعام والجنس والمال والعمل والأسرة والأصدقاء والصحة والسياسة: لا يوجد شيء لا يمكننا الشعور نحوه بالذنب ، بما في ذلك مشاعر الذنب نفسها.

انا أشعر بالذنب إتجاه كل شيء. لقد شعرت اليوم بالذنب حيال قول الشيء الخطأ لأحد الأصدقاء. ثم شعرت بالذنب حينما قررت تجنب ذلك الصديق بسبب الخطأ الذي صدر مني اتجاهه . بالإضافة إلى ذلك ، لم أتصل بأمي حتى اليوم : مذنبة. وكان ينبغي علي تنظيم شيء خاص بمناسبة عيد ميلاد زوجي: مذنبة. قدمت طعام غير صحي لطفلي: مذنبة. لقد كنت اقوم بعملي بشكل غير مهني مؤخرًا: مذنبة. تخطيت الإفطار: مذنبة

تناولت وجبة خفيفة بدلاً من ذلك: مذنبة مرتان.. أنا أشغل كل هذا الفضاء في عالم لا توجد فيه فرص كافية للجميع: مذنبة ، مذنبة ، مذنبة.


انا لا أشعر بالرضا تجاه الشعور بهذا الضيق الذي يلازمني. ليس عندما ينجح أصدقائي المستقرون نفسيا في تذكيري بالذنب. مسكين أنا. مذنب لأنني أشعر بالذنب ؛ الذنب الابدي ، الذنب الاخوي ، الذنب الزوجي ، ذنب الأمومة ، ذنب الأقران ، الذنب في العمل ، ذنب الطبقة الوسطى ، ذنب الإنسان الأبيض ، الذنب الليبرالي ، الذنب التاريخي ، الذنب اليهودي: أنا مذنب ضمنهم كلهم.


لحسن الحظ ، هناك من يقول إن بإمكانهم إنقاذنا من مشاعر الذنب. وفقًا للمتحدث التحفيزي الشهير دينيس دوفيلد توماس ، مؤلف كتاب "Get Rich، Lucky Bitch!" ، فإن الشعور بالذنب هو "أحد أكثر المشاعر الشائعة التي تعانيها النساء ". النساء المذنبات ، اللاتي يجذبهن الشعور بالذنب، لعرقلة مساراتهن في زيادة الثروة والقوة والهيبة والسعادة ، لا يبدو أنهن يستغلن مزاياهن حقا .

"قد تشعر بالذنب" ، كتب دوفيلد توماس ، "لرغبتك في المزيد ، أو لإنفاق المال على نفسك ، أو لقضاء بعض الوقت خارج حياتك العائلية للعمل على تحسين نفسك . قد تشعر بالذنب من أن الآخرين فقراء ، وأن صديقك يشعر بالغيرة منك ، وأن هناك أشخاص يتضورون جوعًا في العالم ". بكل تأكيد ، انا أيضا أشعر بالذنب تجاه هذه الأشياء. لذلك ، من المريح فعلا أن أسمع أنه بإمكاني المساعدة - أنني يمكن أن أشكل مصدر مساعدة ذاتية. ولكن ، لكي يحدث ذلك ، ما يجب أن أفهمه أولاً هو:

أ) أنا استحق كل هذا الخير الذي املكه،

(ب) أياً من منظومات عدم المساواة العالمية هذه ، المبنية على المظالم التاريخية ، هي لست نتيجة خطئي.

بمعنى آخر ، فإن شعوري بالذنب ليس علامة على ذنبي بل على براءتي - بل حتى على أنني ضحية. بحسب دوفيلد توماس ، لا يمكنني إذن إلا أن أتسامح مع الأخطاء التي لا أتحمل مسؤولية مباشرة عنها.

إنها فكرة قد يتردد صداها خاصة في اللغة الألمانية ، حيث الذنب والدين لهما نفس الكلمة . يفكر المرء ، على سبيل المثال ، في أطروحة ماكس ويبر حول كيف تخلط "روح الرأسمالية" بين ثرواتنا الدنيوية والدينية ، على أساس أن ما تكسبه في هذا العالم يخدم أيضًا كمقياس لفضائلك الروحية ، نظرًا لأن التدين هنا يعتمد على القدرة على العمل الجاد والانضباط ونكران الذات.

لكن ما يسميه ويبر "قلق الخلاص" في أخلاقيات البروتستانتية له تأثير معاكس على تحرير رجال الأعمال من ذنبهم. بالنسبة إلى ويبر ، في الواقع ، فإن السعي الرأسمالي للربح لا يقلل من الشعور بالذنب ، ولكنه يزيد من تفاقمه - لأنه في اقتصاد يعالج الركود ، لا يمكن أن يكون هناك أي راحة لمن لا أخلاقيات له.

لذا ، فإن الذنب الذي يمنعنا و يعرقلنا يدفعنا أيضًا إلى العمل ، لنصبح منتجين بلا هوادة على أمل أن نتمكن - بفضل أعمالنا الجيدة - من التخلص من مشاعر الذنب التي تلازمنا. وهكذا يجعلنا الشعور بالذنب منتجين وغير منتجين ، مدمنين عمل ، أو كارهين للعمل - صراع قد يفسر المدى العنيف الذي سيذهب إليه الناس أحيانًا ، سواء عن طريق إختيار كبش فداء أو التضحية بأنفسهم للتخلص مما يعتبره كثير من الناس أكثر المشاعر التي لا تطاق .

ما هي قوة الذنب؟ بفضل منطقه التضخمي التراكمي ، يظهر الشعور بالذنب ، عبر حادث سابق تراكم مع مرور الوقت. و على الرغم من أننا نميل إلى إلقاء اللوم على الدين لحكمه على الإنسان في الحياة باعتباره آثمًا ، إلا أن الذنب الذي ربما يكون مرتبطًا برذائل محددة - الرذائل التي يمكن للمجتمعات الدينية أن تفرض عليها كفارة معينة - يبدو الآن الذنب في عصر أكثر علمانية ، بارزا على السطح فيما يتعلق بـ كل شيء تقريبًا: الطعام ، الجنس ، المال ، العمل ، البطالة ، الترفيه ، الصحة ، اللياقة ، السياسة ، الأسرة ، الأصدقاء ، الزملاء ، الغرباء ، الترفيه ، السفر ، البيئة ...الخ.

اتهم المفكرون الحديثون الذنب بعرقلة حياة الإنسان والتسبب في تدهوره النفسي. قيل انه يجعلنا ضعفاء (نيتشه) ، نعاني من أمراض عصبية (فرويد) ، غير حقيقيين (سارتر).

في الجزء الأخير من القرن العشرين ، اكتسبت العديد من النظريات النقدية مصداقية أكاديمية خاصة في العلوم الإنسانية. هذه النظريات سعت إلى إظهار - سواء بالإستناد إلى العلاقات الطبقية ،العلاقات العرقية ، والعلاقات بين الجنسين - كيف أننا جميعًا نوابض في نظام قوة أكبر منا جميعا. حيث اننا قد نلعب دورنا في أنظمة القمع ، لكننا أيضًا نقبع تحت رحمة قوى أكبر منا.


لكن هذا يثير تساؤلات حول المسؤولية الشخصية: إذا كان صحيحًا أن وضعنا تتحكم فيه شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية ، كيف يمكن لأي فرد أن يدعي حقًا أنه يتحكم أو مسؤول بالكامل عن حياته الخاصة؟ إذا نظرنا إلى هذا على ضوء غير شخصي ، يمكن أن يبدو الشعور بالذنب رواسب سلبية من أوقات كنا فيها أقل إدراكًا و تحكما في ذواتنا.

عندما تطبق النظريات التفسيرية بطريقة غير لائقة ، يمكن أن تقدم لأتباعها نظامًا حاسما ليعرفوا تمامًا ما هي وجهة نظرهم ، مع مساحة للإفلات من العقاب ، من كل شيء تقريبًا - كما لو كان بإمكان أحدهم الحصول على حصانة تأمين تجعله يعتقد انه محق دائما .

إن فكرة كون أطر عملنا الذهني قد تكون بمثابة رد فعل متصل بذنبنا الأول بقدر ما قد تكون وسيلة علاج مألوفة لدى الشخص المتدين. في القصة التوراتية ، "يسقط" الإنسان و يطرد من الجنة عندما يأكل الثمر من شجرة "المعرفة" تلك الشجرة المحرمة عليه من الله . إنها إذن "المعرفة" هي التي تجعله يخرج من جنة عدن إلى منفى لم تكتب له النهاية بعد. ذنبه هو تذكير دائم و مزعج بأنه اتخذ المنعطف الخطأ.

ومع ذلك ، حتى وفقا لهذا المصدر نرى كيف يمكن أن يكون ذنب الإنسان خادعًا - زلقًا ومغريًا مثل الشيطان الذي أغواه . لأنه إذا أخطأ الإنسان بتذوقه للمعرفة ، فإن الذنب الذي يعاقب عليه الإنسان يكرر جريمته: هامسا كل مرة " أرأيت لقد أخبرتك بذلك من قبل" ، فإن الذنب نفسه يأتي في شكل معرفة فظيعة ، ثقيلة . إنه يبقينا كما كتب المحلل النفسي آدم فيليبس ، ضمن هذا الصوت الممل والمتكرر داخل رأسنا و الذي يحكم علينا وينتقدنا ويراقبنا ويبرع في إيجاد اخطائناً ، لكن مع ذلك "لا يجلب لنا أي جديد عن معرفة ذواتنا ".


هل يمكن أن يكون سبب شعورنا المتواصل بالذنب ليس افتقارنا للمعرفة - بل افتراضنا اننا نملكها؟ إن حاجتنا اليائسة إلى التأكد من أنفسنا ، حتى عندما نفكر في أنفسنا أننا بلا قيمة ، لا فائدة منا ، في موضع نزاع دائم! عندما نشعر بالذنب ، فإننا على الأقل نشعر بالراحة من تيقننا من شعور ما - في قدرتنا على تسمية مشاعر محددة حتى لو كان الأمر سيء لنا .

قد يكون هذا هو السبب في شغفنا بدراما الجريمة : إنها ترضي رغبتنا في الوصول إلى اليقين ، بغض النظر عن مدى كآبة هذا اليقين. في بداية قصص المباحث ، نحن على دراية بالجريمة ، لكننا لا نعرف من فعل ذلك. في نهاية القصة ، يتم كشف الجاني المذنب: القضية أغلقت .وهكذا الذنب ، في تقديمه الشعبي ، هو ما يحول جهلنا إلى معرفة.

بالنسبة للمحلل النفسي مع ذلك فإن مشاعر الذنب ليس لها أي صلة بالضرورة بأن تكون مذنب قانونيا. قد تكون مشاعر الذنب لدينا رغبة في الإعتراف بشيء ما، حيث عادة ما تسبق هذه المشاعر الاتهام بالجرم - تلك التفاصيل التي عادة حتى الشخص المذنب لا يكون متأكدا منها .

لذلك ، على الرغم من أن القصص التي نفضلها قد تكون تلك التي تكشف الذنب و تحرر الإنسان اخيرا ، فمن المحتمل بنفس القدر أن يكون شعورنا بالذنب هو قصة مكبوتة لأمرا آخر.

و على الرغم من أن "الطرد من الجنة" هي في الأصل قصة دينية ، ندعوك ان تنسى الدين للحظة. يمكن للمرء أن يروي هو بدوره قصة أكثر حداثة وعلمانية عن خروج الإنسان من النعيم . إنها "قصة" بها عدد لا يحصى من الرواة ، ربما لا تكون أدق أو أكثر صحة من رواية الناقد اليهودي الألماني تيودور أدورنو. في كتابه :" بعد الهولوكوست "، حيث جادل أدورنو بأن من نجا في عالم يمكن أن ينتج معسكر الاعتقال النازي أوشفيتز هو في الحقيقة مذنب ، طالما أنه لا يزال طرفًا في نفس الحضارة التي خلقت الظروف التي أوجدت حيزا و مكانا لأوشفيتز.

بالنسبة لأدورنو أيضًا ، فإن وعينا يجعلنا مذنبين ، بدلاً من إبقائنا آمنين. بالنسبة للعقل الحديث ، قد يبدو هذا مروعًا. ومع ذلك ، ربما تكون الميزة الأكثر إثارة للدهشة المتمثلة في تمثيل أدورنو للذنب هي الفكرة التي عبر عنها في سؤاله "ما إذا كان احتمال ان تعيش بعد كارثة أوشفيتز - ان تتمكن من الهرب عن طريق الصدفة ، شخصا كان يجب أن يقتل بشكل محتم يحدث أن يستمر بالعيش . إن مجرد تخيل بقائه المستحق يستدعي الشعور بالإطمئنان،

بالنسبة لأدورنو ، فإن ذنب" المعسكر النازي أوشفيتز" ينسب إلى كل الحضارة الغربية ، لكنه ذنب افترض أنه سيشعر به بشدة "الشخص الذي هرب بالصدفة ، ذلك الشخص الذي كان ينبغي أن يقتل" ، الناجي اليهودي من العالم الحرب العالمية الثانية .

ربما كان أدورنو ، الذي غادر أوروبا إلى نيويورك في أوائل عام 1938 ، يشهد على إحساسه بتأنيب الضمير . ومع ذلك فإن شهاداته هي تلك نفسها التي حصلنا عليها أيضًا من علماء النفس الذين عملوا مع الناجين من معسكرات الاعتقال بعد الحرب العالمية . حيث وجدوا أن "مشاعر الذنب المصحوبة بالعار والنزاعات المدينة للذات يتعرض لها ضحايا الاضطهاد ويبدو أنها أقل بكثير (هذا إن وجدت أصلا ) عند مرتكبيها".

ماذا يمكن أن يعني إذا شعر الضحايا بالذنب بينما كان الجناة خالين من هذه المشاعر؟ هل الذنب الموضوعي (كون الشخص مذنب فعليا) والذنب الشخصي (الشعور بالذنب) على خلاف تماما مع بعضها البعض؟

في السنوات التي تلت الحرب ، كان مفهوم "ذنب البقاء" يُنظر إليه على أنه نتيجة ثانوية لتعرف الضحية بمعتديهم. الناجية التي قد تجد فيما بعد صعوبة في مسامحة نفسها لأن الآخرين ماتوا في مكانها - لماذا ما زلت هنا بينما من كانوا معي ليسوا كذلك ؟ - قد تشعر أيضًا بالذنب بسبب أنها أُجبرت على التواطؤ مع العدو من أجل أن تبقى. هذا لا يعني بالضرورة قيامها بأي فعل يدينها ؛ قد يكون ذنبها ببساطة طريقة غير واعية لتخزين إدراكات سابقة بأن هناك من يعاني بدلاً منها.

على هذا الأساس ، قد يكون من الممكن التفكير في ذنب الناجين كحالة خاصة من الذنب الذي نتحمله جميعًا عندما نكون واعين أو غير واعين ، عندما نكون سعداء وعندما يعاني الآخرون وليس نحن. من الواضح أنه ليس شعورًا جيدًا ، ولكن ليس من الصعب فهمه. ومع ذلك ، لا يزال هناك شيء غير مريح للغاية بشأن قبول أن يشعر الناجون من أسوأ الفظائع بالذنب لبقائهم على قيد الحياة. بدلاً من ذلك ، ألا ينبغي لنا أن نحاول إنقاذ الناجي (في رأينا) من شعوره الخاطئ بتأنيب الضمير ، وبالتالي نثبت براءته المطلقة ؟

هذا الدافع مفهوم ، وفقًا للمؤرخ الفكري روث لايز ، الذي رأى أن شخصية "الناجي" ظهرت في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية ، إلى جانب التحول في التركيز على مشاعر الذنب عند الضحية إلى الإصرار على تبرئة الضحية. هذا التحول كما يقول يتضمن استبدال مفهوم الذنب بالفكرة القريبة منه: العار.

الفرق حاسم من الواضح أن الضحية التي تشعر بالذنب لها حياة داخلية بنواياها ورغباتها - بينما يبدو أن الضحية التي تشعر بالعار قد حصلت عليها من مؤثر خارجي. يبدو هنا و كأن ضحايا الصدمات هم أدوات لأحداث التاريخ و ليسوا مواضيعه.

العار ، إذن ، يخبرنا بشيء عن ما هية الشخص و ذاته ، وليس ما يفعله الشخص - أو يود القيام به.

قد يكون من الجيد افتراض أن الشعور بالذنب هو حالة غير عادية ، بالنظر إلى العجز الشديد الذي يعاني منه ضحايا مثل هذه الصدمات النفسية. ولكن كما سنرى ، غالباً ما يكون لمحاولات إنكار صحة ذنب الآخرين تأثير مماثل يتمثل في إنكار نواياهم أيضًا. يشبه هذا حالة "الذنب الليبرلي" ، أو ذلك الشعور بالذنب الذي نحب جميع أن نكرهه.

لقد أصبح الذنب الليبرالي اختصارًا لوصف أولئك الذين يشعرون بشدة بانعدام العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، لكنهم ليسوا هم الذين يعانون من وطأة ذلك. وفقًا للناقدة الثقافية" جولي إليسون" ، فقد ترسخت هذه الفكرة لأول مرة في الولايات المتحدة في التسعينيات ، على خلفية محاولة تكسير اليسار في فترة ما بعد الحرب الباردة ، وفقدان الثقة في سياسة "المدينة الفاضلة" المثالية للعمل الجماعي الذي تميز به الجيل السابق من المتطرفين. لقد تخلت هذه الليبرالية التي تشعر بالذنب عن الفكرة الجماعية واعترفت بنفسها على أنها تتصرف من أجل المصلحة الذاتية. وبالتالي ، فإن ذنبها هو علامة على الفجوة بين ما تشعر به إزاء معاناة الآخر وبين ما ستفعله لتخفيفه .

على هذا النحو ، فإن مشاعر الذنب لديها يثير الكثير من مشاعر العداوة لدى الآخرين ، لا سيما عند الشخص الذي يشعر بأنه هو نفسه موضوع و أدات الذنب الليبرالي. هذا الشخص ، المعروف أيضًا باسم "الضحية" ، يدرك جيدًا كيف أن نادراً ما تؤدي الشفقة التي يثيرها في الليبرالي الشاعر بالذنب إلى أي تغييرات هيكلية أو سياسية مهمة بالنسبة له.

بدلاً من ذلك ، فإن "القوة" الوحيدة التي يعاد توجيهها في طريقه ليست هي القوة السياسية الفاعلة ، لكن القوة المعنوية أو العاطفية لجعل هؤلاء الأشخاص المحظوظين أكثر منه يشعرون بالذنب بسبب الامتيازات التي يملكونها لكن لا يميلون في نفس الوقت إلى التخلي عنها.

إن فكرة الشعور بالذنب باعتباره عاطفة مثبطة تؤكد النقد المشترك للذنب الليبرالي: لأنه و على الرغم من كل المعاناة التي يسردها ، فإنه يفشل بالكامل في تحفيز الشخص المذنب و المسؤول لإحداث تغيير سياسي ذي معنى.

لكن ماذا لو كان للذنب الليبرالي في الواقع غرض آخر ، وهو السماح لليبرالي بالراحة من شيء يشعر به (بغير وعي) أو أسوأ: عدم وجود هوية ثابتة تخبره من هو وما مسؤولياته وأين تنتهي.

إذا كان يمكن قول أي شيء يميز الليبرالي السئ السمعة ، فربما يكون هذا هو :الشعور بالذنب. يشير الذنب الليبرالي إلى وضع معين من الطبقة (الوسطى) والعرق (أبيض) والجيوسياسي (العالم المتقدم). و على هذا النحو ، على الرغم من العذاب الذي يجلبه لأولئك الذين يعانون منه ، فإنه قد يكون ، بشكل متناقض (ومرة أخرى ، غير واعي) ، مطمئنًا لمن يشعر به.

بمعنى آخر الشعور بالذنب هو جزء من المشكلة ، وليس الحل. ومع ذلك ، فإن هذا النقد يخضع لنفس الاتهام نفسه. بالنظر إلى أن انتقاد شخص ما لشعوره بالذنب لن يؤدي إلا إلى جعله يشعر بالذنب اكثر ، فقد أثبت الذنب ، كما رأينا ، أنه خصم صعب - وهو ما لم يفهمه الكثير من المفكرين المعاصرين.

ومع ذلك ، قبل أن نعلن أن الليبرالي "مذنب كما اتهم" - يجدر بنا أن نذكر أنفسنا بذنب البقاء على قيد الحياة الذي بالمثل ينظر إليه كثيرون على أنه ذنب خاطئ . لأنه كما لاحظنا في هذه الحالة ، في سعيها إلى "إنقاذ" الضحية من ذنبها ، تصبح الضحية محرومة من نفس الشيء الذي قد يميزها عن خصمها .


إذا كان الدين غالباً ما يتحمل مسؤولية وصف الإنسان باعتباره آثمًا ، فإن الجهد العلماني لإخلاء الإنسان من ذنبه لم يقدم الكثير من الراحة النفسية. يقترح الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين أن البراءة الذاتية تنتمي إلى عصر مضى ، عصر البطل المأساوي. عقدة أديبوس على سبيل المثال ، و هو شخص يقابل ذنبه الموضوعي (قتل والداه و مارس سفاح المحارم) ببراءة الشخص الذي يتصرف قبل أن يفكر أو يعرف . ومع ذلك ، يقول أجامبين ، إننا نجد اليوم موقفًا معاكسًا: فالإنسان المعاصر بريء بشكل موضوعي (لأنه لم يقتل ، مثل أوديبس بأيديه مباشرة ) ، ولكنه مذنب ذاتي (يعرف أن وسائل الراحة والأموال التي يدفعها قد دفع ثمنها شخص ما ، في مكان ما ، وربما بالدم).

ربما لم تفشل الحداثة في القضاء على مشاعر الذنب الشخصية عند الإنسان فحسب ، بل ربما أدت إلى تفاقمه. كثير مما يشعر الإنسان المعاصر بالذنب إتجاهه هو أقل من أن يكون نتاج أفعاله و اكثر منها تشبثه بنسخة من الإدراك الذي يبدو أنه حال دون قدرته على العمل. على هذا النحو ، فإن الوصف الديني للإنسان باعتباره آثمًا - مخلوقًا ساقطًا ، مطرودا ، مُعرَّضًا للخطر بلا نهاية ، ولكن أيضًا مخلوقًا نشطًا وفعالًا وقابل للتغيير - يعطي شعورا بالراحة اذا قورن بهذا الشكل ً.

تشارك مثل هذه النظرة الكثير من القواسم المشتركة مع مفهوم التحليل النفسي الواصف للذنب باعتباره شكلاً مكبوتا من أشكال العدوان أو الغضب تجاه أولئك الذين نحتاجهم ونحبهم (الله ، الآباء ، أولياء الأمور ، كل ما نعتمد عليه من أجل بقائنا). ولكن إذا كان الشعور بالذنب هو الشعور الذي يحجب عادة كل المشاعر الأخرى (المدفونة والمكبوتة وغير الواعية) ، فهذا ليس في حد ذاته سببًا لمنع و كبح مشاعر الذنب. فالمشاعر قبل كل شيء ، هي ما يجب أن تكون مستعدًا للشعور به إذا تحركت أحاسيسك مهما كانت طبيعة هذه المشاعر.

هذه المقالة ترجمة بتصرف لمقال للكاتب الصحفي Devorah Baum | ديفورا باوم | بصحيفة الغارديان