وقفات حول الآية(114) من سورة النحل
قال تعالى (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[النحل:114].
وهذه هي الآية الرابعة عشرة بعد المائة من سورة النحل. وقد أمكن الوقوف على بعض من فتح الرحمن فيها كونها وقعت موقعها الفريد من سورة النعم. ذلكم الوصف الكريم لسورة النحل. وذلك لما استفاض فيها من ذكر نعمه تعالى على عبيده. وكان من حق ذلكم الفيض الكريم من عطاء الكريم الواسع سبحانه أن يقابل بعبادته لاغيره معه أو سواه، وأن يكون هو المعبود وحده بلاشريك، وهو المألوه وحده دونما ند أو نظير. ذلك لأن من أسبغ تيكم النعم على عبيده بكل صنف أودعه الله تعالى كونه الفسيح؛ لهو الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه. وكان يمكن ألا يكون شيئ من ذلك، لكنه تعالى أراد أن يغدق العباد بما استلذ وطاب إهناء لهم وإسعادا.
وكان من بديهيات حق ذلكم إنعام ما سبق ذكره أن يقابله العباد بشكره فيسندون اليه نعمه عليهم، ويفيدون منها على الوجه الذي يرضيه تعالى. فليس من شأن الموهوب أن يقارع الواهب بمعصيته، وبما أنعم به عليه! فذلكم في الفطر السليمة لممقوت، وهو عند ذوي القرائح العالية لمذموم، ولدى أولى العزائم والنهى لبعيد وقوعه، ولمحال وجوده. لكنه تعالى صدق فيما روي عن بني اسرائيل أنه قال(أنا والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري).
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: هذا الحديث ليس بصحيح، وإنما هو من أخبار بني إسرائيل التي قال فيها النبي ﷺ حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ولكن معناه صحيح.
قال ابن جرير رحمه الله تعالى: وكان بعضهم يقول: إنـما عنـي بقوله: {فَكُلُوا مِـمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبـاً} طعاماً كان بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـمشركين من قومه فـي سِنِـي الـجدب والقحط رقة علـيهم، فقال الله تعالـى للـمشركـين: فكلوا مـما رزقكم الله من هذا الذي بعث به إلـيكم حلالاً طيبـاً.
ومنه أفيد رحمة واجبة تمليها قواعد الملة على أهل الزمان إن هموا وقعوا في عسر أو أحاط بهم جدب. وهذا مقتضى من مقتضيات رحمة ربنا الرحمن سبحانه بسائرمن خلق وبرأ. ذلك لأنه رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما. وذلك أيضا لحديث الإمام مسلم الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن لله مائة رحمة ، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة ، يرحم بها عباده يوم القيامة )[ مسلم: 6908].
والأمر بالأكل حلالا هو شرع ربنا الرحمن سبحانه على كل حال. سواء قلنا بمكية الآية أو مدنيتها أو كان ذلك من مغنم أو كان خطابا للمسلمين أو كان خطابا للمشركين، أو انه خطاب للناس أجمعين. فإن الأمر به شرع أطبقت عليه أديان السماء، ودين أمرت به مناهج الحنفاء.
والأكل بالحلال الطيب أمر شرعي وأصل قدري. إذ لايمكن القول بخلافه بحال. ذلك أن الشريعة إنما جاءت لإزاحة كل ما كان حراما من طريق الناس. إذ إن ذلكم هوالمعنى المتبادر من معاني الطهارة ومن معاني التشوف للبركة والسعادة والفلاح.
ذلك وإن القول بغير ذلكم منهج قائم على الحلال الطيب الطاهر إنما هو خروج بالبشرية إلى مهاويها، والأخذ بها إلى سبيل مايرديها، والنظر إليها بعين الازدراء والمقت من الله تعالى باريها، ثم ممن أنعم الله تعالى على عبيده بالنظر السليم والعيش الكريم.
ولمحة إلى كون الحلال طيبا. ذلك أنه ليس يكون في الفطر السليمة إلا أن يكون الحلال طيبا، وما سواه نقيض منه تماما. فليس يكون حرام طيبا أبدا.و القول بغير ذلكم لهو تعد على منهجه تعالى في الكون، وهو في الوقت نفسه سبيل ذو عوج خارج عن مقتضى الفطرة السوية التي خلق الله تعالى الناس عليها، ومن ثم يكون الأكل بالحلال الطيب سبيل السعادة، والقول بالأكل الحرام طريق الشقاء، ونهي الشريعة عنه بين واضح.
والآية الكريمة محل البيان لتعطي معنى التفرد بذكر وجوب شكر النعم. وهو مما يجوز إطلاق اسم الشكر لله تعالى شكر عبادة وتأليه في الوقت الذي يوجب شكرا لنعمه تعالى ذاتها كونها منه وحده، وكونها وجب ألا يصرفها عبد شاكر حق الشكر للمنعم بها إلا فيما يرضيه، ومن ثم تكون سببا لما به عن العبيد كلهم تغنيه.
وفي قوله تعالى(وَٱشْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ) حيث صرَّح هنا بالنِّعمة؛ لتقدم ذكرها مع من كفر بها، وذلك مقابلة بما جاء في سورة البقرة من أمر وجوبي بالشكرله تعالى كما قال تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)[البقرة:152]، وكما قال تعالى(وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[البقرة: 172].
فقد جاء الشكرغير مقترن بذكر نعمه تعالى أو شكرها في الآيتين سالفتي الذكر كما في آيتنا محل البيان، وذلك لما تقدَّم ذكره من نعم فيها.
ومنه فما أجمل أن يشكرسواه! وما شكر غيره إلا من شكر له تعالى على الحقيقة! وذلك لحديث (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) رواه الترمذي (1954) وأبو داود( 4811) وغيرهما بسند صحيح عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (416).
والوقوف على مادة الشكربيانا لمعناه وإفصاحا عما استكناه من معان لها قوة النفاذ لموجب بيانها من حيث كونه دالا على إحسان رعايتها والثناء على صاحبها. كما قال الشاعر عامر بن الظِرَب العَدْواني:
شكرت لهم آلاءهم وبلاءهم وما ضاع معروف يكافئه شكر
ومنه أفيد إحسان رعاية النعمة بإنمائها. وكون ذلكم بطاعة الرحمن وشكره، والثناء عليه أن وهب، والشكر له تعالى أن منح، والاعتراف بفضله أن أعطى فضلا وجودا. واستعمالها - كما سلف- فيما أحل مسديها وفيما أجاز باريها سبحانه.
ومن الشكرمجازاة الواهب بما صنع. ومنه أفيد صنائع المعروف لمن أسدى، وجميل الثناء لمن أغدق.
والأمر بالأكل منه تعالى أمر واجب النفاذ. إذ به قوام الحياة، وإذ فيه استساغة ما لذ وما طاب. شرط كونه حلالا طيبا.
وإن النفوس التي تجد في زعمها مذاقا حلوا لما حرم لهي نفوس كاذبة خاطئة. ذلك لأنه في الفطر السوية لايستلذ إلا بما طاب ولا يسد رمقا على الحقيقة إلا ماحل وشرع. ومنه الحث على أكل كل ما هو حلال كيما يكون طيبا ولاغير.
ولايسوغ قول من قال: إن غير الشاكرين يرفلون في النعم ونراها رأي العين! وأقول: لا؛ فلقد جانبكم الصواب وأبعدتم النجعة! فإنا نرى قوما ظاهرهم الثراء وهم غارقون في الشقاء، ويشهد بذلكم الواقع، وتقره حقائق المشاهدات. فدل على أن سعادة للمرء وراحة نفسية حال كونه يأكل حلالا وحسب! وهنا يكون الحلال طيبا ولاينبت عندها - وعندها فقط - إلا طيبا كما قال تعالى(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)[الأعراف:58].
ويشهد لذلك ولو من وجه ما جاء في الصحيحين عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فأعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فأعْطَانِي ثُمَّ قالَ: يا حَكِيمُ، إنَّ هذا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فمَن أَخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ له فِيهِ، ومَن أَخَذَهُ بإشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ له فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ ولَا يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، قالَ حَكِيمٌ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ لا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شيئًا حتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، يَدْعُو حَكِيمًا إلى العَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ منه، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فأبَى أَنْ يَقْبَلَ منه شيئًا، فَقالَ عُمَرُ: إنِّي أُشْهِدُكُمْ يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ علَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عليه حَقَّهُ مِن هذا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى تُوُفِّيَ.[البخاري:1472 ومسلم:1035].
فقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم( كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) نفيد منه إمكان وقوع أكل ولايسد رمقا ، ولا يهنأ به آكله من باب أولى. وذلكم عند تناوله(بِإِشْرَافِ نَفْسٍ) أي ونفسه طامعة فيه راغبة له كونه جاء من سؤال بلا حاجة ومن مسألة جعلت صاحبها ذات يد سفلى وكفاه تعبيرا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
وكونه رزق الله يوجب ألا يسند رزق إلا إلى الله وحسب. وذلكم أيضا من موجبات الشكرة تارة، ومن حيثيات دوام الفضل والرزق تارة أخرى.
وإن قوما يسندون أعمالهم إلى أنفسهم وإن فريقا يسندون حلول الأرزاق بهم إلى عملهم أوعلمهم لمخذولون، وإنهم عن الطريق لناكبون. أو لم يروا كيف حلت العقوبة بقارون عندما أساء الأدب مع الله تعالى يوم أن قال (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ([القصص:78].ليأتي النكال، ويحل العذاب، ويعم الخسف؛ ليكون الجزاء من جنس ما قدم؟ كما قال تعالى(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ)[القصص:81].
والآية تحمل تهييجا للمؤمنين واستجاشة للعالمين ألا يعبدوا سواه تعالى. ولاتكون عبادته حقا إلا حين يتوافر عليها شرط شكره لما أنعم، وشرط شكر نعمه لما أفاض. ومنه أفيد شحذا لهمم الناس أداء لوظائفهم كيما يؤدوا أعمالهم بنفس راضية وروح سامقة عالية. فترقى الأمم وتعلو الجماعات. ومنه أفيد أيضا بعدا عن تحبيط ومقتا لتثبيط. ولايقبل في ذلكم عذر لقائد. كما أنه يرفض في ذلك تسويغ أو تدليل لمسعى المثبطين وديدن المحبطين.
واستدعاء جوانب الخير في الناس واجبة تطمينا وكسبا، ورجاء ما عندهم من خير وما جبلوا عليه من زكاء نفس وروح عالية! ألم تر كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد استدعى جوانب الخير في الأنصار يوم حنين كسبا لودهم ودفعا لشرهم عندما قال: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ, ما مقالةٌ بلَغتني عنكم, أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي, وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ, أي: المِنَّةُ والفضلُ للهِ ورسولِه.
ثم قال لهم: مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالُوا ودموعُهم تسيل على خدُدِهم: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ, ثم قَالَ: أَمَا وَاَللَّه لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ: أَتَيْتنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاك، , وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاك, وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاك, وَعَائِلًا فَوَاسَيْنَاك, فجعلوا يقولون: بَلِ الْمَنّ عَلَيْنَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. ثم قال: أَما تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ, وَتَذْهَبُونَ برسول اللَّهُ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ ثم قال لهم: لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ. ثم قال لهم: وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا, لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا. ثم قال لهم: الْأَنْصَارُ شِعَارٌ, وَالنَّاسُ دِثَارٌ. ثم قال لهم: اللَّهُمَّ اِرْحَمْ الْأَنْصَار وَأَبْنَاء الْأَنْصَار, وَأَبْنَاء أَبْنَاء الْأَنْصَار.
هكذا يستعطف قلوبهم, ويَجْبُر خواطرهم، ويستدعي كوامن الخير فيهم.
ولهذا آتت كلماته أكلها وأنتجت عباراته ثمرتها. إذ لما أن سمع الصحابة هذا الكلام العظيم, والخطاب العاطفيَّ الشجي, بَكَوا رضي الله عنهم وأرضاهم بكاءً شديدا, حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ, وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّه قَسْمَا وَحَظًّا.
أكرر: إن استدعاء جوانب الخير في الناس لهو سلوك إيجابي ينبغي أن تقام فيه الندوات وأن تلقى فيه المحاضرات؛ لتقويم سلوك الناس نحو الأخذ بأيدي بعضهم البعض نحو الرقي والعلو، لا إلى السفل والدنو. ويكون سفل ودنو يوم أن نضرب على أوتار جوانب الشر الموجودة في الناس فطرة أيضا.
ولأن الشكر من موجبات الألوهية فناسب مجيئ لفظها دالا عليها، كما قال تعالى(وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ)حيث جاء بلفظ (الله) الدال على كمال الألوهية بدلا عن لفظ (الرب) الدال على كمال الربوبية. وتلك من دلالات البيان الفصيح، والأداء البين البليغ. أن يؤتى باللفظ الموافق لمقتضى الحال. ودل أيضا على أنه لايقام بحق العبادة على وجهها إلا يوم أن يشكر الواهب شكر تأليه وعبادة، وإلا يوم أن يشكركل ذي فضل ممن خلق الرحمن سبحانه شكر ثناء وطبيعة وجبلة كريمة.
ولمحة حول شرط الآية الكريمة. ذلك أنه من شرط أن يكون امرؤ عابدا لله تعالى حقا أن يأتي بالشكر على وجهه لله تعالى! وأخص منه أن تكون العبادة مختصا بها الله تعالى. ومنه ألا تكون شائبة من شرك في جانب الشكر كونه (لله) وحده. ذلك أن شكر النعم مختص به تعالى إذ هو المنعم بها كلها على الحقيقة. وما أغيار إلا أسباب كانت بفضله تعالى أن يسرها، وكانت من فيض جوده سبحانه أن أعان عليها تحصيلا واكتسابا.
وأكرر أنه لا منافاة بين شكره تعالى شكر عبادة وبين شكر أغيار شكرا طبعيا ليست العبادة منه في شيئ.
ولفتة إلى تضافر النعم على العبيد وتكاثرها من كل وجه حتى إنك لتلمس سر مجيئها نكرة للشمول وللعموم معا!