د. علي بانافع
قبل أكثر من شهرين كتبت عن مبادرة بذوقي أرتقي، وقلت بالحرف الواحد: (من مبادرة خير أمة، جاء دور ثانوية ابن حزم بينبع الصناعية، برعاية القائد التربوي الأستاذ الخلوق: طاهر بن عطيه الغامدي وفريقه المميز، في تعزيز هذه المبادرة بمبادرة جديدة بعنوان: (بذوقي أرتقي) وتسعى لتعزيز الذوق الرفيع ونشره بين الشباب، في المدرسة، في البيوت، في الأسواق، في المساجد، في الأماكن العامة، ويهدف إلى احترام واحتراف الذوق العام وتعزيزه بين الشباب بالذات …).
اليوم الأحد 8 / 6 / 1441هـ قامت إدارة مدرسة ابن حزم مشكورة بتكريم منسوبيها بمناسبة تميز مبادرة (بذوقي أرتقي)، خلال "معرض رسل السلام 4" المقام بجامعة طيبة واختيارها ضمن أفضل ثلاث مبادرات بين أربعين مبادرة مشاركة.
الحقيقة أن الأعمال الصالحة كثيرة وعديدة، وخير من جمعها الإمام النووي رضي الله عنه ورحمه في كتابه (رياض الصالحين)، ومعلوم للجميع أن أعمارنا قصيرة وأعمالنا قليلة ومشاغل الحياة عديدة، ونريد عملاً يُسعفنا في اليوم الآخر، والله سبحانه جعل بعض الأعمال تتضاعف حتى بعد الممات، ومن أحسن تلك الأعمال المبادرة إلى الدعوة إلى الله وهداية الخلق، فما تهدي أحد من ذكر أو أنثى للإستقامة إلا كانت لك حسنات منه وأنت لا تدري وتستمر هذه تجري عليك بعد الممات، فما تعلم طفلاً ولا شاباً قرآناً ولا سنةً أو علمٍ إلا كانت حسناته لك تجري وأنت لاتدري، وما توقف قرآناً أو كتاب علمٍ إلا كان حسناته تُهدى إليك، وما تشارك في عين ماء، أو تبني مسجداً، أو توقف وقفاً إلا كانت هذه من خير أعمالك، قال صلى الله عليه وسلم: {سبعٌ يجري للعبدِ أجرُهنَّ وهو فيقبرِه بعد موتِه: من علَّم علمًا، أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّثَ مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفرُ له بعد موتِه} [صحيح الترغيب: 73]. وما تشارك في أمرٍ عام تُساعد به الناس إلا كان لك بعد الممات، وما تحث من أحد على صدقةٍ أو إصلاح ذات بين إلا كانت لك، لذلك احرص على تعليم الأطفال والصغار والشباب أكثر من كبار السن، واحرص على هداية الخلق فلا تدري من أيهم يأتي الخير، فمن الحرمان أن يكدح المرء ويعمل سنوات طويلة ثم لا يترك له أثراً، والمحرومُ مَن حَرَمهُ الله.
فهل كان يدري من فتح بخارى أن سيخرج منها مثل الإمام البخاري، وهل كان من عَلَّمَ شيخ الإسلام ابن تيمية من يُعَلِّمْ، وهل كان يَعَلَمْ سعيد بن زيد وفاطمة أُخت عمر من هدوا، إنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، وهل يدري الصديق أن أكثر من خمسة من المبشرين بالجنة اهتدوا على يديه رضي الله عنهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه حين قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: {فواللهِ لأنْ يهْدي اللهُ بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من أنْ يكونَ لك حُمرِ النعمِ} [صحيح الجامع: 1511]. إن المبادرة إلى الدعوة من أعظم أعمالكم وهي وظيفة الأنبياء فلا تضيعوا أعماركم بغيرها، وبهذا تُدِرِكْ سِرْ أن الصحابة لا يغلبهم أحد بكثرة عمل، وتعلم قبل هذا وذاك أن أعمالنا كلها معروضة على رسول الله سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..