بقلم: محمد دومو
حوار مع الحياة
حدثت يوما هذه الحياة بنبرة متعصبة.
فقلت لها: لما انت مستعصية ومؤلمة هكذا؟
قالت: انا لست بالذي قلته، وإنما أنا أعلم الناس فقط دروسي، ليعيشوا سالمين في هذه الدنيا.
قلت: وهل في التعليم قساوة مثل التي انت بها دائما؟
قالت: انت مازلت في بداية الطريق، وتجهل كيف يتعلم بني البشر!
قلت: وهل أنت بمحبة، لهذا الانسان؟
ضحكت بسخرية ثم قالت لي سائلة: وهل من مدرس لا يحب تلاميذه؟ أومن مربي لا يحب ابنائه؟
ثم أضافت قائلة: فاذهب في هذه الدنيا، وتمعن جيدا في الناس، وسوف تعرف كل شيء لوحدك عند فوات الاوان.
تركتها ومشيت مكتشفا دنياي، غير مزود بتعليمها ودروسها.
كنت اقول وانا ذاهب، انني لست محتاجا لكل هذه الدروس الغير مجدية، فها أنا بين الفينة والاخرى أتلقى بعض الدروس لوحدي بلا عناء وقساوة!
قلت في البداية: كانت تريد أن تتعبني هذه الحياة، فها أنا قادر على حل كل المشاكل دون تلك التعاليم القاسية اللعينة،
كنت ما زلت شابا مغرورا بنفسه، مندفعا بقوة الشباب، نشيطا متحركا غير مبال بأي شيء في طريقي، وكأن الدنيا ستبقى على هذا الحال الى الأبد، كانت هذه الحياة الأم المسكينة، رغم ما حصل بيني وبينها، تزودني ببعض الإشارات، علاها ترشدني لاعادة النظر في هذا العناد الغير مفيد، لقد عانت معي الكثير والكثير، كنت قويا حينها عنودا غير لبيب، لا اريد ولو مجرد نصيحة من أحد.
تعايشت هكذا على حالي، وبين الفينة والاخرى كانت هذه الحياة تبعث لي بعض الإشارات في طريقي، كنت أفسرها على هواي، تاركا مغازي عمقها وجوهر معانيها، وكأنني اتحدى هذه الحياة، وما انا بمتحد الا لنفسي.
تراكمت السنين والعقود، وها أنا ذا رجلا عاقلا، اتاسف عن عناد ذلك الشاب العنيد الذي أرغمني بفعلته هذه الغير مفكر فيها، أن أتذوق عذاب وآلام عدم تدبير دروس الحياة. وما عساي من فعل شيء الآن سوى النسيان، وتحمل مسؤولية تهور مضى، ولكن لن تنسى أن تتجند بدروس الحياة في هذه الحقبة من الزمن أيضا، ما دمت على قيد الحياة، فانك، يا انا، لازلت تتعلم من الحياة في هذه الدنيا.
فحاولت أن لا أذهب عندها أحاورها ثانية.
وقلت في نفسي وكأنها تراني: أنك بالفعل كنت على حق تام مما اردت تعليمي إياه حينها ولكن...الخ
اعترف لنفسي أنه ذنبي وليس ذنبك، يا ايتها الحياة الأم المسكينة الغالية.